ولكن الديناميكيات التي تؤدي إلى كثير من هذه الأخبار والمواضيع المثيرة لا تعطى أهمية إلا من قبل المتخصصين في المجال ذاته. الاقتصاد الدولي يعد المحرك لكثير من هذه الأحداث، وفهمه جيداً يفسر لنا الكثير من التداعيات التي تبرز عناوينها في الإعلام.
هذه القضايا المتعلقة بالاقتصاد السياسي الدولي لها نتائج على كل الدول حتى تلك التي لم تندمج بالاقتصاد الدولي، ولعل أهم هذه القضايا ما يسمى معامل التبادل التجاري، ويتعلق هذا المفهوم بنسبة معادلة المنتجات من الدول الصناعية والدول النامية.
وأن استمرار تدهور أسعار المنتجات من العالم النامي مع تزايد أسعار المنتجات من العالم الصناعي، أدى بالضرورة إلى تدهور الأحوال المعيشية والاقتصادية لهذه الدول. وقد انخفضت أسعار المنتجات الزراعية من العالم الثالث بنسبة 70 % بالمقارنة مع أسعار المنتجات المصنعة في الأعوام ما بين 1961 إلى 2001.
ورغم كثير من الفوائد التي جلبتها هذه الشركات من استثمارات والتي خلقت كثيراً من الوظائف في البلدان النامية ونقلت كثيراً من المعارف التكنولوجية، إلا أنها في نهاية المطاف أخذت أكثر مما أعطت، ولم يكن لها ذاك التأثير في خلق نقلة نوعية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفعلاً قامت الولايات المتحدة بصفتها الدولة المهيمنة على النظام الدولي، بإنشاء منظمات دولية مثل الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، لحماية العلاقات الاقتصادية الدولية .
والتي تصب في مصلحة الدول المتقدمة. ولم تكتفِ بالمنظمات الدولية وحسب، بل صاغت خطاباً سياسياً واقتصادياً يروّج النمط الاقتصادي الذي يحبذ دول الشمال على حساب دول الجنوب الأقل تقدماً.
وقد عظمت هذه الدول من سيطرتها على النظام الاقتصادي والسياسي الدولي عبر إنشاء سلسلة من القواعد العسكرية وشبكة من المؤسسات الأمنية الدولية للتدخل لحماية المصالح الاقتصادية.
كما حصل مع محمد مصدق في إيران في 1953، وسلفادور ألليندي في تشيلي في 1973 وأمثلة أخرى. الخلاصة أن فهم تعقيدات العلاقات السياسية لا يمكن أن تجتزأ بالنظر إلى العناوين الجاذبة، وإغفال البنى التحتية المحركة للسياسات العالمية.