مطرب من زمن الغناء الجميل

من المطربين القدامي الذين لا تزال أغانيهم خالدة في ذاكرة الجمهور العربي، ولا يزال شدوهم يجلب الاهتمام ويشنف الآذان، رغم مرور أكثر من 75 عاماً عليها، الفنان المصري صاحب الصوت الرخيم والأناقة الرفيعة والطلة الأرستقراطية عبدالغني السيد، الذي عاش في الفترة من 1908 إلى 1962، وسطع نجمه في تلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته وخمسينياته، من خلال الغناء في الأفراح، ثم الغناء في الإذاعة المصرية، ثم التمثيل في السينما.

اكتشفه بطريق الصدفة الملحن زكي مراد (والد الفنانة ليلى مراد)، حينما سمعه يغني أثناء عمله بائعاً في أحد محلات الموبيليا، فتبنّى موهبته التي أثمرت لاحقاً عن نحو 900 أغنية، بعضها من تلحين كبار ملحني زمنه، مثل رياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب ومحمد الموجي وكمال الطويل ومحمود الشريف ومحمد القصبجي.

من أشهر أغانيه المتداولة إلى اليوم: «البيض الأمارة» كلمات فتحي قورة وألحان محمود الشريف، «ع الحلوة وع المرة» كلمات سيد مرسي وألحان محمود الشريف، «وله يا وله» (يا بتاع التفاح) كلمات أبو السعود الإبياري وألحان محمود الشريف، «بايعني ولا شاريني» كلمات محمد علي أحمد وألحان رياض السنباطي، «إيه فكر الحلو بيّه» كلمات محمد علي أحمد وألحان محمود الشريف، «أنا وحدي يا ليل سهران» كلمات أحمد ملوخية وألحان محمد عبدالوهاب، «أحبك مهما أشوف منك» كلمات حسين السيد وألحان محمد عبدالوهاب.

تقول سيرته الذاتية إنه عاش طفولة معذبة، على يد زوجة أبيه، التي كانت تضربه وتعامله بقسوة، إلى درجة أنها ألقت عليه ذات مرة مياهاً مغلية، ما جعل والده يطلّقها.

وبسبب عدم نشأته في أجواء أسرية طبيعة، لم ينل قسطاً وافراً من التعليم، ودخل سوق العمل مبكراً، مساعداً لوالده في بيع الأثاث، لكنه كان يكتب بخط جميل، ويواظب على قراءة الكتب المتنوعة، ويهوى الرسم.

وحينما دخل مجال الغناء، نجح نجاحاً مدوياً، وحقق شهرة لم ينلها معاصروه، حتى إنه لقب بـ«معبود النساء»، و«البلبل الباكي».

ومثلما كانت طفولته معذبة، فإنه عاش في عذاب وألم بعد أن كبر وتزوج، حيث إنه عشق ابنة أحد الوزراء البشاوات في العهد الملكي، وتزوجها في حفل عائلي بسيط، وبعد أسبوع فقط، أجبرته الحكومة على تطليقها، اعتراضاً على فكرة زواج «مغنواتي» من ابنة البشاوات.

جمعته صداقة بالموسيقار محمد عبدالوهاب، الذي كان صاحبنا يعتبره أستاذاً وأباً وصديقاً له، لكنه كان ينافسه، بدليل اعتراف عبدالوهاب بأن عبدالغني السيد هزمه مرتين فنياً.

وكان الراحل يحب محمد فوزي، ويعتبره من أنجح وأهم الفنانين، ويحب الاستماع لصوت فيروز، ويسافر إلى لبنان صيفاً للقائها، ولقاء الرحابنة، كما كان يعتبر الفنان محمد قنديل ابناً له.

أما عبدالحليم حافظ، فقد قيل إن عبدالغني السيد كان يكرهه ويغار منه، لكن ابن فناننا نفى ذلك، وقال «كيف يكرهه، وقد طلب من الموسيقار محمد الموجي أن يعطيه لحن أغنية «صافيني مرة»، حينما عرضه الموجي عليه أولاً». وهذه الواقعة، أكدها الموجي بنفسه في إحدى مقابلاته الإذاعية.

وعن وفاته، روى ابنه محمد الحكاية بالتفصيل، قائلاً إن والده أصيب في أيامه الأخيرة بجلطة، ونصحه الأطباء بالابتعاد عن كل ما يثيره.

وفي يوم من الأيام كلمته تحية كاريوكا المعروفة بسلاطة اللسان، طالبة تدخله باسم صداقتهما للتوسط بينها وبين زوجها فايز حلاوة كي يطلقها.

وبالفعل، سارع فناننا بالذهاب إلى شقة كاريوكا وفايز حلاوة، ليجدهما يتعاركان ويشتمان بعضهما البعض، فحاول تهدئة الأجواء، لكنه سقط صريعاً بينهما، فتم نقله إلى المستشفى، ليكشف الأطباء وجود انسداد في شريانه التاجي، وهو ما أدى إلى وفاته بعد 6 ساعات، في يوم التاسع من ديسمبر 1962 م.