إخوان «الغاية تبرر الوسيلة»

إنها الحملة الأكثر شراسة وكذباً التي تشنها جماعة «الإخوان» والجهات الملتحقة بها على النظام السياسي في مصر، منذ إسقاط شعبها الأبي حكم الجماعة بثورته العظيمة في 30 يونيو 2013.

وهو ما يشهد عليه تنسيق وتقسيم الأدوار بين مجموعات وأفراد وصفوف مترابطة من القائمين بالتحريض وممارسة الأكاذيب، والإلحاح على هذا ليلاً ونهاراً.

أما عن هذه الأكاذيب فخلاصتها بسيطة ومباشرة، بحسب مزاعمهم: مصر هي التي تحاصر قطاع غزة، وتتآمر على أهله بمنع دخول المساعدات الإنسانية من غذائية وطبية إليه، مع كامل قدرتها على كسر هذا الحصار! اندفعت تقول هكذا، كل أبواق الجماعة والملتحقة بها.

وأعداد من المتعاطفين مع مأساة الشعب الفلسطيني والمتحمسين لأي نوع من المساندة له، دون علم كافٍ أو حتى دون علم على الإطلاق، بحقيقة ما يجري على الأرض منذ السابع من أكتوبر 2023.

وبدا سعار الهجوم على مواقف الحكم المصري لافتاً لكثيرين ممن لا يدركون تقدير الموقف الإخواني لهذه اللحظة، كما لم ينتبهوا لما يشوب هذه الحملة من متناقضات وأكاذيب صارخة قاتلة فيها ولها.

فأما عن هذا التقدير الإخواني فهو قائم على أن عظم مأساة غزة وأهلها، وخصوصاً المجاعة التي تجتاحهم منذ بدء الاجتياح الإسرائيلي للقطاع في مايو الماضي، أصبح الأكثر تأثيراً في مشاعر الشعوب العربية كافة.

ومن بينها الشعب المصري، ومن ثم يسهل استغلاله لتحريكهم في الاتجاه الذي تريده الجماعة. وبعد فشل إعلام الجماعة الذريع طيلة الأعوام الـ 12 الماضية في تأليب المصريين على حكمهم عبر استغلال القضايا الداخلية، بالرغم من احترافه الاختلاق والتزوير والكذب والتهويل لكل همسة تحدث في وادي النيل.

وجد في القضية الفلسطينية التي هي من أبرز ثوابت اتجاهات ومشاعر المصريين، لكي يحاول باستغلالها التحريض على هذا الحكم، عسى أن يصل إلى هدفه الحقيقي، وهو إسقاطه، وليس نصرة فلسطين ولا شعبها الشقيق البطل.

وأما عن المتناقضات الفجة القاتلة والتي تؤكد أن السابق هو الهدف الحقيقي للجماعة وإعلامها فهي أكثر من أن تحصى. وللاختصار، نشير أولاً إلى أن استراتيجية الإخوان الحركية الرئيسية تمثلت في حشد أفرادهم والجهات الملتحقة بهم.

وبعض من حسني النية المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني غير العالمين بما يجري واقعياً، نحو التعدي على البعثات الدبلوماسية المصرية في بعض عواصم العالم، بالحجة الكاذبة بأن مصر تحاصر غزة، وقد تأكد الهدف الحقيقي المشار إليه للجماعة من هذا التحرك، فهي لم تجرؤ ولا تريد على الاقتراب.

ولو بعد عدة كيلو مترات من أي مقر رسمي لإسرائيل في أي مكان من العالم، ولم يدعُ إعلام الجماعة أبداً لمثل هذا التحرك ضد من يشن حرب الإبادة والتجويع على غزة وشعبها، والمفترض أنه الهدف الصحيح إذا كان الغرض هو مساندة الشعب الفلسطيني والدفاع عنه.

وأما التناقض الثاني الكبير فهو يأتيهم من إسرائيل نفسها، فلمرات عديدة، وعلى ألسنة كبار قياداتها السياسية والعسكرية والبرلمانية، اتهموا مصر بأنها هي التي تساند مقاومة شعب غزة بكل ما لديها من سبل، وبأنها بتحديث جيشها وبإبقائه على أهبة الاستعداد تكتيكياً واستراتيجياً، تمثل تهديداً حقيقياً وخطيراً على أمن إسرائيل.

فقد اتهم رئيس الوزراء، نتانياهو، مصر مرتين في أسبوع واحد في سبتمبر الماضي، بأنها وراء تهريب كل ما تحتاج إليه الفصائل الفلسطينية في غزة، وأنه لهذا لن يتنازل عن احتلال ممر فيلادلفيا، الذي يفصل القطاع عن مصر.

وفي فبراير من العام الجاري عاد نتانياهو من جديد ليشن هجوماً حاداً على مصر، في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، لأنها هي التي تمنع الفلسطينيين من مغادرة قطاع غزة.

وذهب وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إلى أبعد من رئيسه، خلال اجتماع الحزب الصهيوني الديني بالادعاء بأن مصر مسؤولة بشكل كبير عما حصل في السابع من أكتوبر.

وفي الشهر نفسه، أعرب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، هرتسي هاليفي، عن قلقه مما أسماه: التهديد الأمني من مصر، لأن جيشها كبير ومتطور وحديث في كل قطاعاته.

وقبلها بأيام تساءل مستنكراً مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة عن أسباب اقتناء الجيش المصري معدات عسكرية حديثة رغم عدم مواجهة البلاد أي تهديدات، معتبراً أن ذلك يدعو للقلق.

وقبل يومين فقط عقدت في الكنيست جلسة حوارية ثانية، وكانت الأولى في أبريل الماضي، بعنوان: الحدود المصرية - الإسرائيلية والواقع الأمني المتغير، شهدت هجوماً جارفاً على التحركات العسكرية المصرية في سيناء، واتهامات علنية لمصر بأنها الخطر الأكبر على إسرائيل، وأنها أكبر دولة معادية للسامية في العالم العربي.

هذا هو الهدف الحقيقي لحملة «الإخوان»، وهذه هي بعض من تناقضاتها القاتلة، ولكن هكذا هي الجماعة، التي تطبق دوماً، وبإخلاص قاعدة ميكافيللي: «الغاية تبرر الوسيلة».