«إرث دبي».. شكراً محمد بن راشد

الإرث يتوج دائماً صفحات التاريخ، ويصبح كالنبض الحي الذي يتدفق عبر الأجيال، يحمل معه كل ملامح الحياة اليومية، السابقة والحالية، ثم يحكي قصة تطور المجتمعات عبر الأزمنة، إنه القوة التي تمنح الهوية عمقها واستمراريتها، حيث تتداخل فيه الحكايات الشخصية مع الأحداث الكبرى، فتتشكل ذاكرة جماعية تروي قصة المكان وأهله.

تأتي مبادرة «إرث دبي»، التي أطلقها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، كمشروع استثنائي ومنصة تفاعلية تدعو جميع سكان دبي إلى المشاركة في سرد تاريخهم الشخصي، وتجاربهم الفريدة التي شكلت ملامح الإمارة، هذه المبادرة من وجهة نظري هي رؤية عصرية تجعل من التكنولوجيا وسيلة لتعزيز الانتماء، حيث يتحول كل فرد إلى مؤرخ يسهم في كتابة فصل جديد من قصة دبي المتجددة.

السباق بين المدن الكبرى عالمياً يجعل المدن الذكية تتجه نحو الرقمنة، لذلك تقدم «إرث دبي» نموذجاً فريداً لكيفية استخدام الابتكار في توثيق «ذاكرة مدينة دبي الجمعية»، حيث يُدمج التراث مع التكنولوجيا لتكوين أرشيف رقمي متكامل يعكس هوية المدينة، ويمنح الأجيال القادمة نافذة ثرية تطل على تاريخها من خلال روايات حية نابضة بالتفاصيل والوجدان.

«إرث دبي» امتداد طبيعي لرؤية قائد آمن بأن بناء الحضارات لا يبدأ من تشييد الأبراج والمشاريع العملاقة فقط، بل من بناء الإنسان أولاً، ومن ترسيخ الهوية في قلب الحداثة، بحيث تكون الثقافة والتراث هما الأساس المتين لأي تطور مستدام. إنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، القائد الاستثنائي الذي رأى الحضارة والتاريخ والتراث طاقة متجددة تمنح المجتمع توازنه واستقراره، وتغرس في أفراده الإحساس بجذورهم العميقة التي تمتد في تربة الزمن، تماماً كما تمتد دبي نفسها بين الرمال والبحر، بين الماضي والمستقبل، فشكراً محمد بن راشد.

شكرا لأن سموك، منذ اللحظة الأولى، وضعت الرؤى أن الشعوب التي تتقدم هي تلك التي لا تنفصل عن تراثها، بل تعيد قراءته بعيون الحاضر، وتحوله إلى قوة دافعة نحو المستقبل. لذلك أصبحت دبي نموذجاً فريداً للتنمية القائمة على التوازن بين الأصالة والابتكار، حيث لا تتخلى عن تاريخها في سبيل التقدم، بل تضيف إليه، وتعيد تقديمه في قوالب جديدة، تماماً كما تفعل هذه المبادرة الطموحة.

«إرث دبي» هو امتداد طبيعي لفلسفة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، التي ترى في الإنسان صانع التاريخ وحامله، وفي الحكايات الصغيرة معالم تشكل الهوية الوطنية. دبي التي نراها اليوم، بكل ما تملكه من ابتكار وبنية تحتية متقدمة، وُلدت من حلم قائد لم يكتفِ بأن يرسم مستقبلها، بل أراد أن يكون لكل من يعيش فيها دور في صياغته.

في كل زقاق، على كل رصيف، خلف كل باب في دبي، هناك قصة تنتظر أن تُروى، وشاهد على مرحلة من مراحل تحول هذه المدينة إلى أسطورة حضرية عالمية. قصص لم تُحكَ بعد، لكنها محفورة في ذاكرة من عاشوا تفاصيلها، في خطوات الذين جابوا أسواقها القديمة، وفي أصوات العمال الذين شيّدوا صروحها الحديثة، في ضحكات الأطفال التي ترددت في ساحاتها، وفي أحاديث الأجداد التي تسرد كيف كانت دبي يوماً مدينة صغيرة تتحدى البحر والصحراء، وكيف أصبحت اليوم أيقونة تتصدر المشهد العالمي.

مبادرة «إرث دبي» مختلفة لأنها تعيد تشكيل الحياة والتراث ليظل حياً، ويصبح سجلاً رقمياً تفاعلياً يحمل نبض دبي وتاريخها وسكانها، بكل ما فيها من تحولات وتنوع وتعدد ثقافي. إنها بوابة مفتوحة تتيح للأجيال القادمة أن تعيش تجربة المدينة كما عاشها أهلها، أن تستمع إلى الأصوات التي كانت تملأ أسواقها، أن تتأمل في الصور التي التقطت تفاصيل نموها، وأن تتنقل بين الحكايات التي صاغت هويتها كالصور والمقالات والتسجيلات الصوتية، والروايات الشخصية، لتظل المدينة كما كانت دائماً، مساحة متحركة بين الأزمنة، تربط ماضيها بحاضرها وتفتح أبوابها للمستقبل.

«إرث دبي» فسحة لكل فرد عاش في هذه المدينة ليترك بصمته، ليكون جزءاً من سرديتها الممتدة عبر الزمن، فكما كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم فصولاً جديدة في قصة دبي بقراراته الجريئة ومشاريعه الرائدة، فإن كل فرد فيها يملك اليوم الفرصة ليكون كاتباً في هذه الرواية المستمرة، لتظل دبي مدينة تحفظ تاريخها بالشغف نفسه الذي تستشرف به مستقبلها.. فشكراً ثم شكراً ثم شكراً محمد بن راشد.