لطالما كانت جمعيات الفنون الشعبية في الإمارات أحد الأعمدة الراسخة للحفاظ على التراث ونقله عبر الأجيال، حيث لعبت دوراً محورياً في إبراز الهوية الوطنية وتعزيز الحس الوطني، فمن خلال العروض التراثية والرقصات الشعبية، مثل اليولة والعيالة والليوا والرزفة، أسهمت هذه الجمعيات في تعريف الأجيال الجديدة بتراثهم وربطهم بماضيهم الأصيل، كما مثلت الدولة في المحافل الثقافية العربية والدولية، ما جعلها سفيرة للفنون الإماراتية في الخارج.
وعلى مدى العقود الماضية، قدمت هذه الجمعيات إسهامات واضحة على المستوى المحلي والعربي والدولي، حيث شاركت في المهرجانات التراثية العالمية ممثلة للدولة، وساعدت في إبراز التنوع الثقافي الذي تتميز به الإمارات، كما أسهمت في المشهد الثقافي والفني من خلال الفعاليات المحلية، وكانت عنصر جذب سياحي يضفي روح الأصالة على الفعاليات الوطنية والمهرجانات الكبرى.
أوضاعها الإدارية والمالية.. واقع يحتاج إلى مراجعة
على الرغم من كل هذه الإنجازات، تعاني جمعيات الفنون الشعبية من تحديات إدارية ومالية تعيق استمرارها، فالمقرات تعاني من الإهمال والتصدع ولا تحظى بالدعم اللازم لتطوير أنشطتها. بينما يعتمد معظم أعضائها على جهودهم الشخصية للحفاظ على هذا الإرث، فالدعم الرسمي محدود، والقطاع الخاص ورجال الأعمال نادراً ما يلتفتون لهذه الفرق. وعلى الرغم من أهمية دورها في تعزيز الهوية الثقافية والسياحية للدولة، تنأى الكثير من المؤسسات عن الالتفات لها أو للعاملين فيها.
دور الجهات المسؤولة في تعزيز دور الجمعيات
فالجهات المسؤولة عن الثقافة والفنون مطالبة اليوم بتبني نهج أكثر استدامة في دعم هذه الجمعيات، من خلال توفير مقرات مناسبة أو ترميم الحالية لضمان بيئة عمل ملائمة، وإطلاق برامج دعم مالي مستدامة لمساعدتها على الاستمرار والتطور، وتقديم منح وتدريبات للقائمين عليها لرفع مستوى أدائهم الإداري والفني، ودمج هذه الفرق في البرامج السياحية والثقافية، بحيث تصبح جزءاً من تجربة الزوار للدولة، وإشراك رجال الأعمال والقطاع الخاص في دعم هذه الجمعيات ضمن مسؤوليتهم المجتمعية.
دور معاهد التراث في دعم الفنون الشعبية
لا يمكن الحديث عن الفنون الشعبية دون الإشارة إلى معهد الشارقة للتراث، الذي يعمل على توثيق ونقل الموروث الشفاهي للإمارات عبر برامج وورش تدريبية تضمن استمرارية هذا الإرث، والذي يمكن تعزيز دوره من خلال التعاون المباشر مع جمعيات الفنون الشعبية، وتنظيم دورات لتأهيل الأعضاء الشباب وتدريبهم على أداء الفنون الشعبية وفق الأساليب التقليدية. وبالطبع نادي تراث الإمارات هو الآخر أسهم لفترة طويلة في المحافظة على التراث بجميع أشكاله، وأطلق في العام الماضي «أكاديمية الحرف التقليدية»، لكن دعمه للفنون الشعبية لم يعد كما كان. وكذلك توقُّف جمعية إحياء التراث عن العمل نهائياً، التي كان مناطاً بها هذه المهمة الوطنية، يجعلنا ندعو لإحياء الفكرة بطرق متطورة وجديدة.
إحياء جمعيات الفنون الشعبية.. مسؤولية مشتركة
إنقاذ جمعيات الفنون الشعبية ليس مسؤولية الجهات الثقافية وحدها، بل يتطلب جهداً مشتركاً من الجهات المسؤولة والقطاع الخاص والجمهور، فالموروث الثقافي لا يُحفظ بالكلام، بل بالدعم الفعلي والتمكين المستدام، فهل نرى قريباً مبادرات وطنية لإنعاش هذه الجمعيات وإعادتها لدورها الريادي؟ الزمن وحده سيجيب.