التجارب الصحية في أستراليا وسنغافورة.. نماذج في الاستدامة والابتكار

تمثل أستراليا وسنغافورة نموذجين رائدين لأنظمة صحية متقدمة ومستدامة، حيث نجح كل منهما في تقديم حلول مبتكرة توازن بين الجودة، الكفاءة، والاستدامة المالية. ورغم اختلاف السياسات والمنهجيات، فإن التجربتين تحملان رؤى قيّمة يمكن لدبي الاستفادة منها لتعزيز قطاعها الصحي وتحقيق رؤيتها المستقبلية.

أستراليا: التوازن بين القطاعين العام والخاص

يعتمد النظام الصحي الأسترالي على مزيج ذكي يجمع بين التأمين الصحي العام (Medicare)، الذي يضمن رعاية صحية مجانية أو منخفضة التكلفة، والقطاع الخاص، الذي يخفف الضغط على المستشفيات الحكومية ويوفر خيارات إضافية للمرضى.

أبرز نقاط القوة في النظام الأسترالي:

• التكامل بين القطاعين العام والخاص: تشجع الحكومة الأستراليين على الاشتراك في التأمين الصحي الخاص من خلال إعفاءات ضريبية، مما يساعد في تقليل الازدحام على الخدمات الصحية العامة.

• التركيز على الوقاية والرعاية الأولية: تعتمد أستراليا على برامج وطنية للصحة العامة، إلى جانب منصة My Health Record، التي تتيح للمرضى والأطباء الوصول بسهولة إلى السجلات الطبية لتعزيز كفاءة المتابعة والعلاج.

• الابتكار في التكنولوجيا الصحية: يشهد القطاع الصحي الأسترالي تطوراً ملحوظاً في استخدام الذكاء الاصطناعي والتطبيب عن بُعد، مما يرفع من جودة الخدمات، خصوصاً في المناطق النائية، حيث يصعب الوصول إلى المرافق الطبية.

التحديات التي يواجهها النظام الأسترالي:

• ارتفاع الإنفاق الحكومي على الصحة، مما يشكل تحدياً مستقبلياً في ظل زيادة الطلب على الخدمات الطبية.

• تفاوت جودة الخدمات الصحية بين المدن الكبرى والمناطق الريفية، مما يترك بعض السكان في وضع أقل تفضيلاً.

• ارتفاع تكلفة التأمين الصحي الخاص لبعض الفئات، ما قد يحدّ من إمكانية الوصول العادل إلى الرعاية الصحية المتميزة.

سنغافورة: الابتكار والاستدامة المالية

أما سنغافورة، فقد تبنت نموذجاً فريداً يمزج بين المسؤولية الفردية والدعم الحكومي، حيث يعتمد نظامها على ثلاثة محاور تمويلية رئيسية:

• Medisave – حسابات ادخار شخصية تستخدم لتغطية النفقات الصحية.

• Medishield – تأمين صحي مدعوم لمواجهة التكاليف الطبية المرتفعة.

• Medifund – صندوق حكومي يضمن تغطية التكاليف الصحية لمن لا يستطيعون تحملها.

أبرز نقاط القوة في النظام السنغافوري:

• تمويل صحي مستدام: يساهم الأفراد في تغطية تكاليفهم الصحية عبر مدخراتهم الشخصية، مما يقلل من العبء المالي على الحكومة ويضمن استمرارية النظام دون ضغوط اقتصادية هائلة.

• الرقمنة والذكاء الاصطناعي: توفر منصة HealthHub حلولاً متطورة لإدارة المواعيد والسجلات الطبية، كما يتم الاعتماد على الروبوتات في التشخيص والعلاج، مما يسهم في تحسين الكفاءة وتقليل الأخطاء الطبية.

• نهج استباقي للوقاية: تنفذ الحكومة مبادرات مثل National Steps Challenge، التي تشجع المواطنين على تبني أنماط حياة صحية، مما يساهم في خفض معدلات الأمراض المزمنة وتقليل الحاجة إلى العلاجات المكلفة.

التحديات التي يواجهها النظام السنغافوري:

• ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية المتقدمة، مما يدفع بعض المرضى للبحث عن علاجات خارج البلاد.

• اعتماد مفرط على التكنولوجيا، ما يجعل النظام عرضة للهجمات السيبرانية والاختراقات الأمنية.

• الضغط الاجتماعي والنفسي الناتج عن سياسات الصحة العامة الصارمة، والتي قد تكون مقيدة في بعض الأحيان.

المقال المقبل: «نظام صحة دبي»... لماذا لا تصبح الإمارة الاسم الأول عالمياً في الرعاية الصحية؟

في الوقت الذي تسعى فيه دبي إلى تعزيز مكانتها مركزاً عالمياً للرعاية الصحية، كيف يمكنها الاستفادة من أفضل الممارسات العالمية، ودمج التكنولوجيا والابتكار، وتطوير استراتيجيات مستدامة تجعلها الوجهة الصحية الأولى عالمياً؟ ترقبوا تحليلاً شاملاً لرؤية دبي في قطاع الصحة، والتحديات التي تواجهها، والفرص التي يمكن استغلالها لتحقيق الريادة العالمية.