هناك فوارق جوهرية بين منهج «الواقعية السياسية» ومنهج «الشعبوية العنترية».
«الواقع السياسي» يقوم على الفهم العميق للواقع بكل أبعاده، وتحليله بشكل علمي بعيداً عن العواطف أو الأهواء أو المصالح الشخصية، وبناء القرار المستهدف فيه على قاعدة المصالح العليا للشعب.
«الشعبوية العنترية» هي محاولة جذب عواطف الجماهير وعمل «غسل مخ» قائم على دغدغة المشاعر الوطنية وتسخين رغباتهم الحياتية عبر وعود براقة كاذبة لا تستند إلى أي معطيات حقيقية أو دفائع واقعية محسوبة ومقدرة بشكل علمي.
الواقعية السياسية لا تعني التنازل أو الاستسلام أو قبول الأمور كما هي، لكن تقوم على أن الفكر الإصلاحي المتدرج المحسوب بدقة يجب أن يحسب إجراءات التغيير والتطوير بناء على المصالح الوطنية العليا، وليس بناء على نعاق الجماهير وبيع أوهام ووعود كاذبة يعرف صاحبها أنها مستحيلة التحقق.
مآسي الزعامات الشعبوية أنها خدعت جماهيرها بوعود براقة مستحيلة التحقق.
هذه الزعامات ورطت شعوبها في حروب أهلية وأزمات إقليمية ومناطحات دولية مكلفة.
هذه الزعامات أفلست جماهيرها وأدخلتها في أزمات اقتصادية لعقود طويلة.
كان حكماء الصين ينصحون حكامهم «لا تعد شعبك بما لا تقدر عليه».
وسوف يظل صراع أفكار وسياسات العالم الثالث صراعاً بين من يسعى إلى تثبيت مشروع السياسة الواقعية القائمة على الصالح العام، وبين مدرسة بيع الأوهام السياسية الشعبوية.