حمدان بن زايد.. بين التراث والمستقبل

في الظفرة، ملتقى البحر بالصحراء، مخزون الأصالة البدوية والتقاليد الإماراتية الجميلة، تختلط الرمال بالذاكرة، وتُروى الأرض بالماء والرطب، وتتجلى رؤية سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، رائداً في صياغة مستقبل متوازن، يجتمع فيه التراث مع البيئة، وتتجسد فيه الهوية الوطنية في مشاريع التنمية المستدامة.

يحمل سموه حضوره الفعال في الفعاليات البيئية والتراثية بعداً أعمق من التمثيل الرسمي، إذ يستحضر روح المكان، ويواصل نهج القائد المؤسس المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي زرع في أرض الإمارات مفهوم الارتباط بين الإنسان والطبيعة والتراث، ويحمل وينفذ رؤى صاحب السمو، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، لتمكين الإنسان الإماراتي، وتكريس علاقته الوثيقة بالأرض والهوية.

من واقع متابعاتٍ أجد سمو الشيخ حمدان يحرص على تعزيز الهوية التراثية عبر دعم مهرجان ليوا للرطب، الذي يرتقي بالموروث الزراعي إلى مستوى الاحتفاء الوطني.

وتتحول منصاته إلى مساحات تنبض بالحياة، وتستدعي صورة النخلة رمزاً للكرامة والوفاء، وتعكس ثقة القيادة بمستقبل الزراعة المحلية واستدامة الأمن الغذائي.

كما تعكس المهرجانات التراثية في الظفرة، من صيد الصقور إلى الحرف التقليدية، مساراً متكاملاً لتفعيل الذاكرة الثقافية وتدوينها، حيث أصبحت هذه الفعاليات العريقة حكايات معيشة تراثية حية، تُنقل من جيل إلى آخر، وتتغلغل في وجدان المجتمع جزءاً أصيلاً من صورته الحضارية.

يمنح فكر سمو الشيخ حمدان مساحة متكاملة لكل من التراث الطبيعي والثقافي، إذ يراهما جناحين متلازمين لصورة الوطن المضيئة المشرقة، وعليهما توضع سياسات متقدمة متزنة، تحترم الأصالة، وتُجدد المسيرة، وعليهما أيضاً تقوم مشاريع التنمية المستدامة.

تمضي هيئة البيئة – أبوظبي، برئاسة سموه، في تنفيذ استراتيجيات الحفاظ على الحياة البرية والبحرية، جنباً إلى جنب مع توثيق التراث غير المادي، من الحِرف والمأثورات والعادات، في وحدة تنموية متجانسة، لا تُفرق بين الجغرافيا والذاكرة، فمنذ تأسيسها، برئاسة سمو الشيخ حمدان، تتقدم بثبات من خلال إطلاق مبادرات طموحة لحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وتطوير المحميات الطبيعية، وتعزيز الثقافة البيئية في الوعي العام.

ولا تزال جزيرة صير بني ياس، التي تضم مجموعة نادرة من الكائنات البرية والبحرية، شاهدة على عمق هذه الرؤية، وقد تحولت إلى حاضنة للتنوع البيولوجي، ومثال ناجح لمفهوم السياحة البيئية المتناغمة مع الطبيعة.

في الوقت نفسه يقف سمو الشيخ حمدان في الصفوف الأمامية لكل ما يعزز تراث الوطن، فـمهرجان ليوا للرطب، الذي يرعاه ويحرص على حضوره، يأخذ مكانه العالمي احتفالاً موسمياً عريقاً بالمنتج الزراعي الإماراتي، وأرى أيضاً، من زاوية ثقافية تراثية أنه أصبح تظاهرة وطنية، أعادت الاعتبار لشجرة النخيل، رمز البقاء والكرامة، وكذلك أسهم المهرجان بشكل كبير على تشجيع الزراعة المحلية، وتكريس اقتصاد المعرفة الزراعية في نفوس الأجيال الجديدة.

وهذه المهرجانات التراثية، التي تقام في الظفرة، من صيد الصقور إلى الصناعات اليدوية، وغيرها، باتت وثائق حية تغرس في وجدان المجتمع الهوية الراسخة العميقة.

أدرك سمو الشيخ حمدان، منذ وقت مبكر أن الصقارة والحبارى تمثلان ركائز لتراث معنوي متجدد، ولهذا فإن المشاريع التي أطلقتها الهيئة برئاسته، لإعادة إكثار المها العربي والمها الأفريقي «أبو حراب» والصقور والحبارى، تشكل مرجعاً عالمياً في حماية الأنواع، وتدرس في المحافل العلمية بوصفها نماذج متقدمة في المحافظة على البيئة وتنوعها البيولوجي.

وما يلفت في فكر ورؤى سمو الشيخ حمدان أنه لا يفصل بين التراث الطبيعي والثقافي، بل يراهما توأمين يكملان صورة الوطن، فبينما تتابع الهيئة استراتيجيات الحفاظ على الحياة البرية والبحرية، لا تغفل في المقابل عن توثيق التراث غير المادي من حِرف ومأثورات وعادات، عبر دعم الأجنحة والمشاركات الثقافية في المعارض المحلية والدولية، ومنها معرض أبوظبي للصيد والفروسية، الذي وصفه سموه يوماً بـ«قصة نجاح متواصلة»، لما يعكسه من صورة حضارية متقدمة في الجمع بين الأصالة والاستدامة.

لقد كرس سمو الشيخ حمدان دوره القيادي في الظفرة نموذجاً للمسؤولية الشاملة، فالمشاريع الكبرى، التي ترعاها مؤسسات المنطقة، من بلديات إلى مستشفيات ومدارس ومبادرات مجتمعية، تتفاعل بتناغم مع توجهه العام نحو ترسيخ التراث، ودعم الأسر المنتجة، وتعزيز الأمن الغذائي، وكلها محاور تتقاطع مع أهداف الدولة في «عام الاستدامة» و«عام المجتمع».

أفرح، ويفرح كل مواطن إماراتي، مع كل زيارة ميدانية، يقوم بها سمو الشيخ حمدان لمواقعنا التراثية وفعالياتنا الثقافية المرتبطة بتاريخنا، حيث نشاهد حقيقة اهتمام سموه بأن التنمية مرتبطة مع القيم ارتباطاً وثيقاً، وأن الاستثمار في الطبيعة هو رهان على المستقبل، وهو ما يجعل من حضوره في الميدان ممثلاً لصاحب السمو، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، تعبيراً عن تلاحم القيادة الحكيمة مع المجتمع والبيئة والتراث الوطني، وعن التزام أخلاقي، يعكس النبل السياسي، الذي عرفت به قيادة الإمارات الرشيدة.