عبدالعزيز حمادة.. قاضي الكويت ومعلمها وإمام جوامعها

من رجالات الكويت من ذوي الذكر الحميد والمتكرر في تاريخ البلاد الشيخ الملا عبدالعزيز بن قاسم حمادة الذي عمل في القضاء والتدريس والخطابة وإمامة المصلين في أشهر المساجد والجوامع الكويتية.

وللحديث عن الرجل وعطاءاته وتاريخه الناصع نستعين في هذه المادة بما كتبه مواطنه الباحث «بشار محمد خالد خليفوه» الذي خصص لسيرته كتاباً من 426 صفحة من القطع الكبير من إصدارات شركة الربيعان في عام 2022 تحت عنوان «الشيخ عبدالعزيز قاسم حمادة.. سيرته وحياته ومآثره 1897 ــ 1962» وجمع مادته من خلال لقاءات أجراها، وبحث وتنقيب في الوثائق والمستندات ذات الصلة منذ عام 2004.

كما نستعين بما كتبه عنه الأستاذ يوسف شهاب في كتاب «من قديم الكويت» الصادر سنة 1997.

ولد الشيخ «عبدالعزيز بن قاسم بن محمد بن راشد آل هنابة» الشهير باسم الملا عبدالعزيز حمادة في عام 1897 (وقيل في عام 1894) لأسرة متوسطة الحال يرجع نسبها إلى قبيلة عبدالقيس من ربيعة العدنانية.

وكانت الأسرة قد قدمت إلى الكويت من الأحساء في أواخر القرن الثامن عشر بقيادة مؤسسها «راشد بن نهابة» (توفي سنة 1826) الذي تزوج لاحقاً من الكويتية حصة بنت محمد بن قطوان، وأنجب منها محمد وخليفة وسلطانة وعائشة.

كان ميلاد الشيخ عبدالعزيز في فريج سعود من الحي القبلي لأبيه الشيخ قاسم حمادة الذي سكن في بداية الأمر في منطقة الوسط من العاصمة الكويتية.

عمل قاسم حمادة مع أبيه محمد وأخيه راشد في دكان يملكونه على ساحل البحر لبيع بعض السلع، وكانوا في الوقت نفسه يتاجرون باللؤلؤ.

وهكذا عاشت هذه الأسرة الكريمة في الكويت وتصاهرت مع العديد من أسرها المعروفة وأنجبت شخصيات كويتية عامة عدة، أسهمت بعلمها وتخصصاتها في نهضة الكويت، نذكر منهم: النوخذة راشد حمادة (عم المترجم له وصاحب سفينة الغوص المعروفة باسم «العنجري»)، والنوخذة المعروف خلف بن نهابة، والمربي الملا يوسف راشد حمادة (ابن عم المترجم له وصاحب مدرسة الإرشاد للبنين)، والشيخ علي حمادة (أخو المترجم له)، والمطوعة موزة محمد حمادة (عمة المترجم له وصاحبة واحد من أقدم كتاتيب الكويت)، والدكتور عبدالمحسن عبدالعزيز حمادة (أستاذ التربية بجامعة الكويت والكاتب بجريدة القبس)، وخليفة مساعد حمادة (وكيل وزارة المالية)، والدكتور حامد أحمد حمادة (رئيس شركة باكو الطبية)، والطيار عبدالعزيز حمادة (من أوائل الطيارين الكويتيين)، واللواء طارق علي حمادة (مدير عام مديرية أمن العاصمة) والكابتن عبدالعزيز حمادة (لاعب كرة القدم المعروف ومساعد مدرب المنتخب الوطني الكويتي).

نشأ الشيخ عبدالعزيز حمادة وترعرع في كنف والده الشيخ قاسم حمادة ضمن بيئة علمية دينية، وتعلّم وهو صغير على يدي عمته موزة محمد حمادة.

وحينما أسس والده وعمه «مدرسة حمادة» داخل منزل الأسرة بالحي القبلي التحق بها فدرس فيها القراءة والكتابة والقرآن الكريم ومبادئ الحساب التي يحتاجها البحارة والمشتغلون في تجارة اللؤلؤ.

إلى ذلك أضاف الكثير من المعارف إلى ما تعلمه من والده من آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وذلك عن طريق حضور مجالس العلم والأدب في الكويت مثل (مجلس الملا حسني التركيت) الذي كان يعقد عصر كل جمعة، ناهيك عن حضور الحلقات التي كان يديرها العالم البحريني الشيخ جمعة الجودر في مسجد الملا صالح بشارع فهد السالم، فتعلم على يديه الفقه المالكي، وتعلم اللغة العربية وألفية ابن مالك وشرح ابن عقيل على يد المرحوم الشيخ عبدالله العدساني الشافعي الكويتي، وتعلم أصول الدين وعلوم الفقه من خلال مخالطته للشيخين عبدالله الدحيان ويوسف بن حمود المالكي.

كما كان حمادة حريصاً على حضور مجلس الشيخ محمد الجنيدل في ديوانية الأخير بمنطقة القبلة للالتقاء بطلبة العلم المعاصرين له من أمثال (الشاعر سعود الزيد ومحمد المطر وسيد يعقوب الطبطبائي والملا علي الصقلاوي).

بعد أن أتم الثامنة عشرة من عمره، وشعر والده أنه تلقى من العلم ما يكفي لإدارة «مدرسة حمادة» أوكل له هذه المهمة وتفرغ هو لأعماله التجارية.

لاحظ صاحبنا وقتذاك أن الحياة ومتطلباتها تتغير، فأقدم على إدخال مقررات إضافية جديدة في مدرسته مثل مبادئ الفقه وتفسير القرآن والنسخ التجاري، وصولاً إلى اللغة الإنجليزية فيما بعد، واستعان بعدد من المدرسين الجدد مثل أخيه علي حمادة والشيخ عطية الأثري والملا سعود الصقر والملا محمد صالح بن الشيخ أحمد الفارس وعبدالله العبيد وغيرهم من معلمي تلك الفترة.

كما حرص أن تكون الدراسة في مدرسته على فترتين صباحية ومسائية مع تعطيل أعمالها مساء الاثنين ومساء الخميس ومساء الجمعة من كل أسبوع، مبقياً على الصفة التي تميزت بها منذ تأسيسها وهي توفير الترفيه لطلبتها من خلال تنظيم رحلات برية سنوية في فصل الربيع.

واستمر الرجل يدير المدرسة بدأب إلى حين انتقاله للعمل في سلك القضاء سنة 1930، فخلفه في إدارة المدرسة أخوه علي حمادة بمساعدة المربي أحمد حمادة.

واستمر الحال على ذلك إلى عام 1936 حينما تسلم إدارة المدرسة يوسف حمادة، الذي أدخل الطاولات والمقاعد إلى المدرسة بديلاً لافتراش الطلبة الأرض.

هذا علماً بأن عدد طلبة المدرسة وصل إلى نحو 200 طالب وقت إغلاقها نهائياً سنة 1950 حينما كانت تتخذ من ديوان الشيخ دعيج السلمان الصباح مقراً لها، طبقاً للباحث الكويتي في التراث الشعبي الأستاذ محمد جمال.

لم يكتفِ الشيخ عبدالعزيز حمادة بكل ما تعلمه، فبدأ منذ مطلع الخمسينيات الميلادية الاختلاط بعلماء الأزهر سعياً وراء التزوّد بعلومهم وفقهم والوقوف على قضايا الإسلام والمسلمين وما يدور حولها من أحاديث ونقاشات.

ففي ديسمبر 1953 سافر لأول مرة إلى القاهرة بصحبة الشيخ عبدالوهاب الفارس، ثم تكررت رحلاته إلى مصر خلال العطل الصيفية، فالتقى هناك بكوكبة من علماء الأزهر، كان من بينهم الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت الذي أهداه أحد كتبه في مارس من عام 1960.

إضافة إلى رحلاته المصرية، سافر إلى الأحساء طلباً للمزيد من العلم الديني وفق المذاهب الأربعة، فنزل في رباط الشيخ أبي بكر بن محمد بن عمر الأحسائي الحنفي، وتتلمذ هناك على يد كل من: الشيخ إبراهيم آل المبارك المالكي الأحسائي، والشيخ عبدالعزيز آل المبارك المالكي الأحسائي، والشيخ عبدالعزيز العلجي المالكي الأحسائي، بل وتأثر بهم أيضاً لجهة شكل وطريقة لبس العمامة.

علاوة على عمله التربوي، تولى حمادة منذ أن بلغ العشرين من العمر إمامة المصلين في مساجد «الحداد» و«الخليفة» و«المديرس» و«السوق»، واستمر في ذلك حتى عام 1962.

أسس في عام 1915 «مدرسة الإرشاد» لتعليم البنين داخل ديوان الشيخ حمود الجراح الصباح. وتولى التدريس منذ عام 1924 في «مدرسة السعادة» التي خصصها الوجيه شملان بن علي آل السيف للمكفوفين الفقراء والأيتام لتعليمهم الفقه المالكي.

وفي عام 1947 تم افتتاح «المعهد الديني» في الكويت، والذي كان حمادة من ضمن مؤسسيه، فتولى تدريس الفقه المالكي فيه.

ومن أعماله الأخرى، توليه القضاء في المحاكم الكويتية بمساعدة الشيخ أحمد عطية بن علي الأثري (1903 ــ 1961)، خلفاً للشيخ عبدالله الخلف الدحيان.

ووقف خلف اقتراح تأسيس دائرة للأوقاف لحفظ أموال اليتامى واستثمارها، وهي الدائرة التي تم تأسيسها بالفعل في عام 1948 وعيّن على رأسها خالد اليوسف المطوع، بينما شغل حمادة فيها منصب عضو مجلس الأوقاف منذ منتصف الخمسينيات إلى أواخر حياته، علماً بأن دائرة الأوقاف هذه أقامت لحمادة غرفة خاصة في «مسجد السوق» ليقضي بها ساعات ما بين صلاتي العصر والعشاء من أجل استقبال المواطنين والرد على أسئلتهم واستفساراتهم الدينية والاجتماعية.

كما أنه قام بتأسيس نادٍ للمعلم في سنة 1951، وهو نواة نادي المعلمين الحالي، وقدم برامج دينية من خلال إذاعة الكويت بعد انطلاق بثها في مايو 1951.

عرف صاحبنا إبّان توليه القضاء من عام 1930 حتى 1946 بالتسامح وعدم التشدد والمرونة في أحكامه.

وخير دليل على ذلك ما حدث في الثلاثين من نوفمبر سنة 1942 حينما جاء أخوان إلى المحكمة الشرعية طالبين منه أن يسجل لهما إقراراً شرعياً بتأسيس شركة بينهما، ففعل لهما المطلوب وفق مذهبهما (مذهب الإمام أحمد بن حنبل) وليس وفق مذهبه المالكي، حيث أملى على كاتبه النص التالي: «.. وقد عقدا هذه الشركة الصحيحة الشرعية التي هي من العقود الجائزة والمعتبرة في مذهب إمامهما أحمد بن حنبل رحمه الله».

كما حضر أول حفلة رسمية أقيمت في الكويت بمناسبة المولد النبوي الشريف في 27 يوليو 1931 داخل مسجد السوق، حيث شارك فيها حمادة بترتيل القرآن الكريم إلى جانب زملائه من شباب ذلك الزمن من أمثال سلطان الكليب وأحمد الخميس وعبدالله النوري.

من ضمن طلبته ممن رعاهم وعلمهم ونصحهم وأرشدهم وأخذ بيدهم وأنقذهم من المواقف الحرجة ابن عمه الملا يوسف راشد حمادة (1923 ــ 2010) الذي تلقى العلم على يديه وصار مثله معلماً بمدرسة حمادة ثم مديراً لها على مدى 15 عاماً، ما بين عامي 1935 و1950، تخرج على يديه خلالها الكثيرون من الشيوخ والأعلام، ثم عمل لفترة قصيرة في التجارة مع الهند، قبل أن يعمل لمدة 40 عاماً حتى 1990 في بلدية الكويت، موظفاً مسؤولاً عن الرقابة، ويترك وراءه إنجازات طيبة ومواقف مشكورة.

انتقل الشيخ عبدالعزيز حمادة إلى جوار ربه في السادس والعشرين من سبتمبر 1962م بعد متاعب صحية وأمراض عانى منها كثيراً.

وبعد وفاته كرّمت دولة الكويت أسرة حمادة ممثلة في القاضي والمربي ومؤسس المعهد الديني الشيخ عبدالعزيز قاسم حمادة بإطلاق اسمه على مدرسة ابتدائية للبنين بمنطقة العارضية من محافظة الفروانية.