عنف الأطفال كابوس الغرب

يشهد عديد المدن الأوروبية والأمريكية انفجاراً غير مسبوق للعنف وخصوصاً عنف الأطفال من غير البالغين، وبالرغم من التشديد المتكرر للقوانين والإجراءات الردعية إلا أن الظاهرة ما زالت تستفحل، ما أثر بوضوح على الاستقرار الأمني بشكل أصبح يهدد أمن وسلامة المواطنين في دول غربية عدة.

وإذا كانت موجة العنف ظاهرة عالمية في شموليتها وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية معلومة، فإنها اتخذت منحى أكثر خطورة في دول الغرب الليبرالي للأسباب ذاتها ولأسباب أخرى، خاصة بهذه الدول التي دخلت مرحلة حرجة من تطورها التاريخي والمجتمعي.

والواضح أن تنامي العنف سواء في المدن الأوروبية وخصوصاً فرنسا أم في الولايات المتحدة الأمريكية أضحى حقيقة لا غبار عليها، ما أوجب على الحكومات التعاطي معها والتصدي لها بالوسائل الضرورية.

وبدا أن عملية التصدي هذه اكتست طابعاً ردعياً وأمنياً صرفاً قد يكون حد من هذه الظاهرة لحين، ولكنها أبعد ما يكون عن علاجها من أصولها وأسبابها العميقة.

ولوحظ أن تعاطي الحكومات مع ظاهرة العنف في المدن وعنف الأطفال تحديداً يكاد يكون اقتصر على اتخاذ قرارات لمعالجة النتائج بعيداً عن تقديم ما يفيد وجود معالجة للأسباب الحقيقية لهذا النوع من العنف المستفحل.

ويعتقد أن هذا التعاطي الأعرج مع ظاهرة العنف ينطلق من تشخيص غير دقيق، وربما يكون نتيجة تشخيص خطأ للظاهرة، ومفاده أن الأسباب تعود أولاً إلى تنامي الجريمة المنظمة، وخصوصاً تجارة المخدرات.

وثانياً إلى عدم تحمل الأسرة لمسؤولياتها تجاه الأطفال والمجتمع، وثالثاً إلى التوظيف الحزبي للظاهرة في نزاعاتها السياسية، ورابعاً إلى ظواهر الهجرة النظامية وغير النظامية وخصوصاً في المحافظات التي تسيطر عليها قوى اليمين القومي المتطرف.

من البين إذاً أن التعاطي مع ظاهرة العنف كان من جنس التشخيص المنقوص، وكان الاختلاف فقط في درجة التعاطي التي تميزت في الولايات المتحدة مع إدارة دونالد ترامب بحدة أكبر، سواء أكان ذلك بتشديد النظام الجزائي أم في علاقة بسلوك الأمن أم بمنع التجول الليلي الذي شمل قرابة الـ 400 محافظة وبلدية، أو بمعاقبة الأولياء وتحميلهم كامل المسؤولية.

ولا يبدو أن تشديد الإجراءات وتحديد المسؤوليات بهذه الشاكلة من شأنه أن يساعد في القضاء على ظاهرة العنف التي غابت أسبابها الحقيقية عن حكام هذه الدول والمجتمعات أو هي وقع تغييبها لأسباب سياسية ما انفكت تتأكد.

ويكاد الإجماع حاصلاً أن فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية في تحقيق طموحات الشعوب وحاجيات المواطنين، فضلاً عن رفاهية المجتمعات بما يسهل دوام تماسكها وانسجامها واستقرارها هو الأساس الموضوعي لتنامي ظاهرة العنف التي تمثل العنوان الأبرز في الأحياء الفقيرة ولدى المحتاجين والمهمشين.

ومثل كذلك الإلغاء التدريجي لدور الأسرة في التربية الاستباقية في استفحال الظاهرة، وسبب ذلك عدم تمكن الأولياء من تخصيص الوقت الضروري لتربية الأبناء بسبب ضوابط وضغوط العمل.

وزاد الأمر تعقيداً تعاظم تأثير النظريات الحقوقية التي خلقت سياجاً بين الأطفال وأوليائهم بسبب توظيف هذه النظريات لأسباب سياسية بحتة والتي أضحت في الممارسة من باب الحق الذي تحول بإرادة خبيثة إلى باطل. وجاء تراجع الدور التربوي للمدرسة ليدق المسمار الأخير في نعش التماسك الأسري والمجتمعي.

وتضافر كل ذلك مع ضعف الوازع الديني والانحراف به عن مساره النبيل في تنقية النفوس من الشوائب الخبيثة والإجرامية وتوظيف الأديان عموماً لغايات نفعية سياسية من أجل الوصول إلى الحكم والانفراد به.

وقديماً قيل إنه لا ينبغي الجريمة في الفرد وإنما يتجه إلى ضرورة القضاء على المواطن الاجتماعية للجريمة، فإذا كانت الظروف تساهم في نشأة الإنسان السوي، على المجتمعات والدول أن تجعل الظروف أكثر إنسانية.