وإذا كانت موجة العنف ظاهرة عالمية في شموليتها وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية معلومة، فإنها اتخذت منحى أكثر خطورة في دول الغرب الليبرالي للأسباب ذاتها ولأسباب أخرى، خاصة بهذه الدول التي دخلت مرحلة حرجة من تطورها التاريخي والمجتمعي.
وبدا أن عملية التصدي هذه اكتست طابعاً ردعياً وأمنياً صرفاً قد يكون حد من هذه الظاهرة لحين، ولكنها أبعد ما يكون عن علاجها من أصولها وأسبابها العميقة.
ولوحظ أن تعاطي الحكومات مع ظاهرة العنف في المدن وعنف الأطفال تحديداً يكاد يكون اقتصر على اتخاذ قرارات لمعالجة النتائج بعيداً عن تقديم ما يفيد وجود معالجة للأسباب الحقيقية لهذا النوع من العنف المستفحل.
وثانياً إلى عدم تحمل الأسرة لمسؤولياتها تجاه الأطفال والمجتمع، وثالثاً إلى التوظيف الحزبي للظاهرة في نزاعاتها السياسية، ورابعاً إلى ظواهر الهجرة النظامية وغير النظامية وخصوصاً في المحافظات التي تسيطر عليها قوى اليمين القومي المتطرف.
من البين إذاً أن التعاطي مع ظاهرة العنف كان من جنس التشخيص المنقوص، وكان الاختلاف فقط في درجة التعاطي التي تميزت في الولايات المتحدة مع إدارة دونالد ترامب بحدة أكبر، سواء أكان ذلك بتشديد النظام الجزائي أم في علاقة بسلوك الأمن أم بمنع التجول الليلي الذي شمل قرابة الـ 400 محافظة وبلدية، أو بمعاقبة الأولياء وتحميلهم كامل المسؤولية.
وزاد الأمر تعقيداً تعاظم تأثير النظريات الحقوقية التي خلقت سياجاً بين الأطفال وأوليائهم بسبب توظيف هذه النظريات لأسباب سياسية بحتة والتي أضحت في الممارسة من باب الحق الذي تحول بإرادة خبيثة إلى باطل. وجاء تراجع الدور التربوي للمدرسة ليدق المسمار الأخير في نعش التماسك الأسري والمجتمعي.
وقديماً قيل إنه لا ينبغي الجريمة في الفرد وإنما يتجه إلى ضرورة القضاء على المواطن الاجتماعية للجريمة، فإذا كانت الظروف تساهم في نشأة الإنسان السوي، على المجتمعات والدول أن تجعل الظروف أكثر إنسانية.