ولقد قصّ علينا صاحب السمو الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، قصة هذا الحلم الكبير وما اعترضه من عقبات، وما اكتنفه من تحدّيات في سيرته الذاتية المبدعة «قصّتي: 50 قصة في خمسين عاماً»، حيث أفرد لهذا الحدث الحاسم في بناء الدولة عدة قصص افتتحها بقصة الخيمة الشمالية الّتي اجتمع فيها الشيخان الجليلان: زايد وراشد في 18 فبراير عام 1968.
وشهدت اللقاء الحاسم لتحقيق هذا الهدف المنشود، حيث افتتح صاحب السمو الشيخ محمّد بن راشد هذه القصة بقوله: «لكلّ شيء بداية، وسُنّة الحياة أن يكون له نهاية إلا الأحلام العظيمة، لها بداية ولكنّك لا ترى نهايتها، لأنّها تكون أبقى منك إذا أخلصت لها، وتُعمّر عمراً أطول منك إذا أعطيتها كلّك».
ثمّ اندفع صاحب السمو الشيخ محمّد بن راشد بسرد التفاصيل المذهلة لذلك اللقاء الفريد، والذي انتهى بالتصميم على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة والسعي الحثيث لتحقيق هذا الحلم الكبير، ليختم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه القصة بالوقوف العميق عند المغزى الكبير لهذا الحدث حين قال:
«قامت دولة الإمارات على أيدي قادة كانت لديهم القدرة على إنكار الذات، وحقّقت الدولة المعجزات على أيدي هؤلاء القادة، وسيبقى أحد أهمّ أسرار نجاحنا هذه القيمة التي لا بدّ أن تستمرّ في جميع المسؤولين في هذه الدولة حتى تستمرّ المعجزة: قيمة إنكار الذات لمصلحة البلاد».
والقصة رقم 27 بعنوان «إعلان الاتحاد»، حيث استوعب التفاصيل الدقيقة والعقبات الكؤود التي اعترضت مسيرة تشكيل الاتحاد من أجل أن تعلم الأجيال اللاحقة كم بذل الآباء المؤسّسون من الوقت والجهد في سبيل توحيد البلاد، وبناء هذه الدولة الزاهرة المجيدة.
بهذه الكلمات المتوهّجة بالأمل والعزيمة والتصميم يستعيد صاحب السمو الشيخ محمّد بن راشد تلك اللحظة التاريخية الفاصلة لنشأة الاتحاد من خلال هذا العهد الذي يتجاوز كونه ظرفاً زمنيّاً محضاً، بل هو يومٌ من صنيع القلوب، فهو عهد القلوب الكبيرة التي اتفقت على تحقيق هذا الحلم البعيد المنال.
وتأسيس هذه الدولة الزاهرة ضمن أرقى أشكال الدولة الحديثة التي تعتمد الدستور الناظم لجميع شؤونها، فهي دولة ذات طابع واضح يلتزم بالقانون، وتتوافق فيه القلوب قبل العقول على فكرة الاتحاد كخيارٍ أوحد لبزوغ نجم هذه الدولة السعيدة، فالتقت القلوب على هذا الهدف الكبير، وانصهرت جميع الطاقات والموارد لتنفيذ هذه الفكرة الوحدويّة التي كانت نادرة ووحيدة في العالم العربي الذي كان يشهد فيه الوطن الواحد مزيداً من التشرذم والانقسام.
وتلك العزيمة الشمّاء التي لا تعرف التردّد من أجل أن يظلّ هذا الوطن العزيز شامخاً كريماً كما أراده الرّجال الكبار الذين سهروا الليالي الطِّوال في سبيل تحقيق هذا الحلم الجليل، ومن أجل ذلك لا بدّ من استلهام مواقفهم وأخلاقهم من أجل أن تظل الإمارات العربيّة المتّحدة حاضرة في قلب الحياة، وقادرة على تحقيق طموحاتها المستقبلية من خلال منظور عالمي يُحقّق لها مزيداً من الشهود الحضاري الذي يليق بها ضمن مسيرتها الزاهرة في التقدّم والرفعة والازدهار، في مسيرة كريمة يحدوها قادة مخلصون وشعب متسلّح بالوعي والحبّ والطاقة المبدعة في الإنجاز والبناء.