الذكاء الاصطناعي لترسيخ الهوية الثقافية

صنّف مؤشر الذكاء الاصطناعي التابع لجامعة ستانفورد في عام 2024 دولة الإمارات في المرتبة الخامسة دولياً من حيث الريادة في هذا المجال.

حيث يقيس هذا المؤشر قوة منظومات الذكاء الاصطناعي في الدول بناءً على 8 فئات هي: البحث والتطوير؛ الذكاء الاصطناعي المسؤول؛ الاقتصاد؛ التعليم؛ التنوع؛ السياسات والحوكمة؛ الرأي العام؛ والبنية التحتية.

هذا الاستثمار المبكر في مجال الذكاء الاصطناعي وتبني تطبيقاته الذي قامت به دولة الإمارات من خلال جهودها المكثفة واستثماراتها الواسعة والكبيرة جعل منها نموذجاً يحتذى به عالمياً ليس فقط كون الذكاء الاصطناعي قوة دافعة للمستقبل، ومحركاً لمزيد من التنمية؛ وإنما أيضاً أداة استراتيجية للحفاظ على الهوية الوطنية والقيم المجتمعية.

ولهذا أخذت الدولة على عاتقها مسؤولية التخطيط والتنفيذ لصياغة مشروع وطني يمهد لاعتماد تكنولوجيا الذكاء الرقمي على بيانات وطنية ومخرجات تعكس ثقافة المجتمع.

في لقاء جمع جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة NIVIDIA، وآرثر مينش، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة Mistral، لمناقشة الذكاء الاصطناعي السيادي، والاستراتيجيات الوطنية للذكاء الاصطناعي، ولماذا يجب على كل دولة أن تتولى مسؤولية ذكائها الرقمي.

أكد جنسن هوانغ أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد بنية تحتية حاسوبية، بل هو بنية تحتية ثقافية واستراتيجية اقتصادية، وأمن قومي، كلها في آن واحد.

ولهذا لم يعد السباق العالمي نحو هيمنة الذكاء الاصطناعي حكراً على الشركات، بل أصبح يشمل الدول أيضاً. فقد أصبح الذكاء الاصطناعي بنية تحتية لمعظم الخدمات والأعمال والوظائف.

وأصبحت مسؤولية كل دولة أن تقرر ما إذا أرادت الاكتفاء بما يقدم لها، أو المساهمة في تطويره وتشكيله من خلال بنية تحتية وطنية بالاعتماد على القوى العاملة الرقمية الخاصة بها والتي تسهم في التقدم الاجتماعي والبيانات الرقمية التي تملكها وفق القوانين والقيم الوطنية المعمول بها.

والواقع اليوم يؤكد أن المساهمة في تطوير الذكاء الاصطناعي لم تعد خياراً مع ما تشهده المجتمعات من استخدام بشكل واسع ومتقدم جداً يصل إلى أنه أصبح جزءاً من الحياة اليومية.

ويبقى التأثير على الهوية مسألة توازن، فكلما زاد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وفق رؤية ثقافية واضحة، زادت قدرته على تعزيز الهوية والقيم المجتمعية.

مدركين أن الذكاء الاصطناعي ليس فقط خوارزميات متقدمة، بل هو محتوى، ولغة، وقرارات تستند إلى بيانات تتأثر بثقافة من يطوّرها. ومن هنا يصبح الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ضرورة ثقافية بقدر ما هو ضرورة اقتصادية.

وهنا ينبغي أن نذكر أن استثمار الإمارات في الذكاء الاصطناعي تراعي التركيز على تطوير المحتوى المتعلق باللغة العربية، وبمصادر المعلومات، وبتقديم محتوى معرفي يرسخ القيم، وهذا الجانب يمثل تميزاً حقيقياً غير مسبوق للاستثمار الإماراتي في الذكاء الاصطناعي.