نصر خجول أو هزيمة استراتيجية؟

أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاثنين الماضي، أن أوكرانيا ستحصل على معدات عسكرية تقدر بالمليارات، معرباً عن الأمل في أن يسهم تزويد أوكرانيا بأسلحة إضافية لإحلال السلام بين البلدين.

ويمكن اعتبار تصريحات ترامب الجديدة تحولاً في الموقف الأمريكي من النزاع الروسي الأوكراني شريطة أن تكون لها تداعيات فعلية وحقيقية. وتحاول دول أوروبا الدفع باتجاه تأويل مواقف ترامب الأخيرة على أنها وقوف منه على حقيقة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الرافض في تقديرها لأي إمكانية لإحلال السلام.

وهي من منظورهم نتيجة منطقية لخيبة أمل الرئيس الأمريكي في نظيره الروسي، خصوصاً أن التدقيق في المنطوق المعلن للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يمكن بالفعل الملاحظ من الوقوف على ذلك.

وتحاول دول الاتحاد الأوروبي الأساسية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا تثبيت الموقف الأمريكي الجديد باعتباره يسهم في عودة الولايات المتحدة إلى منطق الأشياء، علماً أن منطق الأشياء في منظور الأوروبيين والغرب الليبرالي عموماً هو دفع الاتحاد الروسي إلى هزيمة مدوية ضد أوكرانيا، وهو ما كان ترامب يرفضه بالمطلق.

وكان الموقف الأمريكي شهد مع دخول ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي تحولاً مذهلاً في الموقف الأمريكي من النزاع الروسي الأوكراني.

وأثار حينها تأييد ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مخاوف وتساؤلات جدية من احتمال تغيير دراماتيكي في أجندته الجيوسياسية، وبما يتعارض مع مصالح حلفائه التقليديين وخصوصاً أوروبا.

وتراهن دول أوروبا زائد بريطانيا وكندا بقوة على تأزم ومزيد من تأزيم العلاقة بين ترامب وبوتين وكذلك تعميق الشعور بخيبة الأمل لدى الرئيس الأمريكي، وربط ذلك برفض الرئيس الروسي الانخراط في مجهودات ترامب من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار وإحلال السلام بين الطرفين.

وترى الأطراف الأوروبية في تهديدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية قاسية جداً على الشركاء التجاريين لروسيا في حال عدم التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا خلال خمسين يوماً، فرصة مواتية لتعميق الهوة بين ترامب وبوتين.

وبدا للأوروبيين أن ترامب قد وصل إلى نقطة تحول في العلاقة مع بوتين وجب بالتالي استغلالها وتوظيفها بالشكل الأمثل، غير أن تمكين روسيا من مهلة الـ 50 يوماً تثير بعض التوجس من أن يكون ذلك هدية يقدمها ترامب لبوتين من أجل تمكينه من إتمام مخططه في أوكرانيا.

ويذهب اعتقادنا إلى اعتبار هذه المخاوف الأوروبية والأوكرانية في محلها، لجهة تزامنها مع مواقف أمريكية تضرب في العمق وحدة واستقرار أوروبا.

وتتجلى هذه السياسة الأمريكية الجديدة فعلياً في مواقف عدة أهمها، أولاً أن أمريكا مع ترامب لم تعد تنظر بعين الرضا لتطور ووحدة أوروبا على حساب المصالح القومية والاستراتيجية الأمريكية، وهو ما يفسر حرب التعريفات الديوانية وتداعيات ذلك على الاقتصادات الأوروبية.

وهو كذلك ما يفهم من إلزام الدول الأوروبية العضوة في منظومة الحلف الأطلسي الترفيع في إسهامها والريادة في الإنفاق العسكري بما يعادل 5% من موازناتها،.

ويطلب من الدول الأوروبية ذلك رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة، ولعل التلويح الأمريكي بالتخلي عن دورها في حماية أوروبا، إن هي أخلت بهذه الشروط، هو أكبر التجليات التي تؤكد أن تغييراً ما طرأ على مواقف البيت الأبيض بخصوص أوروبا.

ويفرض هذا التخلي المدروس وهذه السياسة الأمريكية الجديدة على القادة الأوروبيين مواجهتها واتخاذ قرارات استراتيجية مهمة تحدد مستقبل القارة العجوز ليكون بذلك الاضطراب الذي تسببت فيه سياسة ترامب مناسبة لأوروبا كي تحقق نوعاً من الاستقلالية الاستراتيجية عن أمريكا.

رغم أن الأوروبيين قد يجدون صعوبات جمة في تحديد سياسة موحدة في مجالي السياسة الخارجية والدفاع نظراً لتنامي قوى اليمين المتطرف في عديد الدول الأوروبية.

وفي المجمل يتأكد الرأي القائل إن الخلاف المعلن بين ترامب وبوتين لا يعدو أن يكون وقتياً وهو مجرد أداة ضغط من الرئيس الأمريكي، وقد يكون استجابة خجولة لضغوطات داخلية أمريكية.

وإن القناعة الراسخة لدى ترامب هي أن مصير أوكرانيا أن تكون منطقة نفوذ روسي مهما كان فعل الدول الأوروبية وغيرها، ويبقى المطلوب من بوتين هو الوعي بأهمية استعادة الرئيس الأمريكي إلى صفه من خلال منحه نصراً رمزياً يقيه موجة النقد الداخلي والخارجي، ويمنعه من الذهاب بعيداً في دعم وتسليح أوكرانيا.