الإدارة العامة في خدمة الإنسان.. مؤسسات تصنع الفرق وتبني المستقبل

في صباح يوم عادي، وبينما يتجه الناس إلى أعمالهم هناك موظف في بلدية يراجع ملفات لمشاريع، وآخر في مركز صحي يطمئن على سير العمل، وموظفة في وزارة التربية والتعليم تتابع خططاً لتطوير مناهج التعليم.

مشاهد بسيطة تتكرر يومياً، لكنها تحمل في طياتها جوهراً عميقاً، يوضح أن الدولة تعيش وتتحرك وتخدم من خلال مؤسسات الإدارة العامة، ومن خلال أناس جعلوا من العمل الحكومي طريقاً لبناء الحياة.

الإدارة العامة ليست أوراقاً ومكاتب واجتماعات، هي اليد التي تمسك بخيوط المجتمع لتبقيه مستقراً، ومنظماً، ومتجهاً نحو الأفضل. إنها العقل الذي يُدير شؤون الناس، والقلب الذي يضخ الخدمات في كل مفصل من مفاصل الحياة.

في كل حضارة ناهضة تقف خلف الإنجازات مؤسسات حكومية رصينة، ومتكاملة، تسعى إلى تحويل السياسات إلى واقع، والرؤى إلى منافع للناس. التعليم لا يتقدم من دون وزارة واعية، والصحة لا تصل للمواطن دون إدارة صحية فعّالة، والأمن لا يتحقق إن لم توجد مؤسسات تحفظ النظام، وتحمي الحدود.

ولعل أجمل تجسيد لهذا المعنى الاعتراف بقيمة جهود موظفي المؤسسات الحكومية، هو ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «أقرت الأمم المتحدة تاريخ 23 يونيو من كل عام «يوم الخدمة العامة» تقديراً فيه لجهود موظفي الحكومات في خدمة الناس».

وتابع سموه: «وعبر 6 عقود تقريباً قضيتها في هذا المجال، رأيت أمثلة مُشرّفة من الرجال والنساء الذين وهبوا حياتهم لخدمة الناس، وتوفير خدمات الصحة والتعليم والسكن والكهرباء والماء والتشريعات من أجل توفير بيئة ينمو فيها الإنسان، ويحقق أحلامه وطموحاته واستقراره وكرامته.

شكراً لموظفي الحكومة في بلادنا اليوم، وكل يوم، وشكراً لكل من جعل خدمة البشر ومنفعتهم قضيته الرئيسية وهمّه الأكبر الذي قضى فيه حياته».

هذه الكلمات ليست مجرد عبارات احتفالية بل شهادة حيّة من قائد عاش تفاصيل الإدارة العامة، وفهم أن العمل الحكومي هو رسالة سامية يتجسد فيها الإنسان قبل الإجراءات.

موظف الخدمة العامة ليس مجرد مقدم خدمة بل هو صانع أثر. هو من يفتح نوافذ الفرص، ويمهد الدروب، وييسر حياة الآخرين. عمله قد لا يُحتفى به في الإعلام، لكنه يُرى في حياة الناس، وفي ارتياحهم، وفي ثقتهم بأن دولتهم معهم، وليست غائبة عنهم.

في عالم يموج بالتغيرات تبقى الإدارة العامة المحوكمة هي الضامن الحقيقي للاستقرار؛ لأنها تعرف كيف توصل الماء إلى من يحتاجه، وتبني مدرسة حيث تنقص، وتحمي القانون حين يُخرق، وتزرع الثقة بين الناس ومؤسساتهم.

وهكذا تبقى مؤسسات الإدارة العامة حين تخلص وتؤمن برسالتها هي التي تصنع الفرق، وتبني المستقبل، لا بالشعارات بل بالعمل اليومي الصامت والمتواصل، الذي يجعل حياة الإنسان أفضل اليوم، وكل يوم.