حكومة الذكاء الاستراتيجي، التي أطلق دورتها الجديدة لعام 2031 منذ أيام، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وحدد مواصفاتها بأنها حكومة استباقية، وأنها تتمتع بالجاهزية من أجل مواجهات التغيرات..
هي كمن يحدد هوية الحكومة الإماراتية من بين حكومات العالم، على أنها حكومة الاستعداد للمستقبل، التي لديها القدرة على استيعاب كل ما هو جديد، وبالتالي، توظيفه لمصلحة دولة الإمارات وشعبها.
وتختلف هذه الحكومة عن الحكومة التقليدية التي قد تكون ناجحة في تقديم خدماتها، والقيام بواجباتها الوطنية، ولكن يغلب عليها الانشغال أكثر بتفاصيل الروتين الوظيفي، الذي بات معظمه عبارة عن إجراءات هامشية، تستهلك من جهد الموظف أكثر من أنها تضيف له قيمة إدارية إلى مهاراته في إنجاز العمل، بل إن بعض الموظفين من البيروقراطيين، قد يجعلون من تلك التفاصيل قضايا مركزية لهم، وربما تعقيد العمل من خلال الإجراءات التي يعتمد عليها في إنجاز مهامه وتكرارها وتكدس الموظفين.
ويُعد إدخال الذكاء الاصطناعي، واحداً من أكبر التغيرات في عمل حكومات العالم في المستقبل، ومع أنه لا أحد يجادل حول أهمية الدور الذي سيقوم به في تحسين الأداء الحكومي، بعد أن فرض نفسه في مجالات الحياة كافة، بالتالي.
فإن الاستفادة منه تحتاج إلى صياغة أفكار الموظفين للمرحلة التي يسيطر فيها على مجريات العمل الحكومي بكامله. وقد بيّن أحدث استطلاع لأحد مؤشرات القوى العاملة، عن اعتماد الذكاء الاصطناعي في صفوف موظفي المكاتب، حيث سجل المؤشر زيادة ملموسة، بلغت 233 % خلال 6 أشهر من عام 2025.
ولعل استعداد الحكومة لتلك المرحلة، تعبّر عن امتداد للتفكير المستقبلي لدولة الإمارات التي كثيراً ما ساعدت تلك الاستعدادات في التقليل من تداعيات أي متغير جديد، كما تعبّر كذلك عن الرؤية الحكيمة لقيادة الإمارات، بأن الحفاظ على القمة هو الأصعب من الوصول إليها.
وبالتالي، فهذا نوع من سياسة الحفاظ على الاستباقية في المكانة العالمية، وبالمجمل، هذا الاستعداد يُقدم تفسيراً عملياً للأسباب التي تجعل الإنسان الإماراتي ينعم بالاطمئنان إلى المستقبل، في ظل حالة من التغير وعدم الثبات في كل شيء.
وبصورة أكبر، فإن إطلاق الدورة الجديدة، يؤكد أن الإمارات لا تدع شيئاً للمصادفة، وإنما تضع الخطط والاستراتيجيات التي تعمل على الاستعداد لمواجهة التحديات.
ووضع الأسس القوية التي تمكّن الأجيال القادمة من أن تنطلق منها، بما يجعلها في الطريق الصحيح، هذا بجانب أنها تقدم العديد من الدلائل على المستوى التنموي والعمل الحكومي الذي ينبغي أن تتمتع به الدول المتحضرة، وتبرز صورة لدولة شرق أوسطية بمعايير عالمية.
إن حال العمل الحكومي على مستوى العالم تبدل كثيراً، خاصة بعد دخول الذكاء الصناعي في تأدية دور الإنسان في العديد من المجالات، فالأسئلة والنقاشات تدور حول متى سيحل الذكاء الاصطناعي بشكل كامل ونهائي محل الإنسان، وليس هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل البشر.
فهذا الأمر بات محسوماً، ولم يعد أمام حكومات العالم الذكية التي تبحث عن إسعاد مواطنيها خيار سوى الاستعداد للانتقال إلى المرحلة الجديدة، وهذا ما تفعله حكومة الإمارات.
إن مواكبة الإمارات لتغيرات عمل الحكومات، ترسخ القناعة بأن أي تجربة إنسانية هي مسألة تراكمية، تتم من خلال ملاحقة كل ما هو حديث في العمل الإداري، ومن خلال تدريب القائمين على هذا العمل، لأنه يدخل ضمن الوعي بالتحديات والتغيرات التي تحافظ على مكانة الدولة في التنافسية العالمية.
وهو ما تسعى إليه دولة الإمارات منذ تأسيس اتحادها، في مقابل أن البقاء في النهج الإداري التقليدي، يعد من أغراض تكبيل الحكومة المكبلة، وتقييد حركتها التي لا تتواكب وحركة العالم بكامله في مجال تقديم الخدمة.
الاستباقية واحدة من الأسرار التي يكمن فيها تفوق التجربة الإماراتية التنموية على غيرها، من خلال استشراف المستقبل، والاستعداد لتحدياته، بحيث تكون الحكومة قادرة على استيعاب ما يحدث بدون قلق وتردد، لذلك يشعر من يعيش في الإمارات بالاطمئنان.