قصة مسرحية «عش المجانين» و«شفيق يا راجل»

محمد نجم وحسن عابدين
محمد نجم وحسن عابدين

الأفيهات المضحكة والغريبة والمبتكرة، التي لا تكاد تخلو منها الأعمال الفنية، خصوصاً المسرحية منها، كانت وستظل دوماً سبباً من أسباب نجاح أي عمل فني. وأكبر دليل على ذلك نجاح مسرحية «عش المجانين» الكوميدية التي عرضت للمرة الأولى في عام 1979 على مسرح محمد نجم في حي الدقي بالجيزة، من تأليف يسري الإبياري، وإخراج عادل صادق، وبطولة محمد نجم وحسن عابدين وميمي جمال وليلى علوي ومظهر أبوالنجا.

تعد هذه المسرحية من أنجح وأشهر أعمال النجم الراحل «محمد نجم» (1944 - 2019) على مستوى مصر والعالم العربي، على الرغم من أنه قدم قبلها نحو 30 مسرحية وتقمص خلالها أكثر من شخصية مختلفة معقدة، مثل مسرحيات «حاجة تلخبط» و«موزة وثلاث سكاكين»، و«مولود في الوقت الضائع»، و«دوحة وحلمبوحة»، و«عفيفي بقى فيفي»، و«عيطة عامل زيطة»، و«أنا أجدع منه»، و«اعقل يا مجنون»، و«واحد لمون والتاني مجنون»، وغيرها. كما أن مسرحية «عش المجانين» تعد من أوائل المسرحيات المصرية التي يقوم فيها البطل على المسرح بأكثر من دور.

والحقيقة المؤكدة هي أن محمد نجم أبدع في هذه المسرحية بتقديم عشرات القفشات والأفيهات التي ارتجل غالبيتها وتجاوب معها الجمهور بشكل كبير، إلى درجة أنه ظل يرددها طويلاً بعد العرض، ويتناقلها على مدى سنوات، ومنها الأفيه الأشهر «شفيق يا راجل» الذي جلب الصداع والضحك في آن لبطل المسرحية الآخر المبدع الراحل «حسن عابدين» (1931 - 1989). والحقيقة الأخرى هي أن الجمهور بات يتذكر أفيه «شفيق يا راجل» أكثر من تذكر عنوان المسرحية، بل ويستخدمه كعنوان بديل. النجاح الذي حققه محمد نجم من وراء مسرحيته هذه، جعله يكتفي بأدوار صغيرة في السينما والتلفزيون، ويركز نشاطه على الأعمال المسرحية الكوميدية من خلال مسرحه الخاص الذي حمل اسمه وأسسه في مطلع السبعينات من القرن العشرين، والذي استطاع من خلاله انتزاع الضحك من قلوب وأفواه الجمهور بأدائه الساخر وحركاته المبتكرة وأفيهاته المضحكة وهيئته الجسمانية المميزة.

والغريب أن المشاهد التي يحاول فيها «شريف عبد ربه» (محمد نجم) تذكير «جاد الحق متولي عويس» (حسن عابدين) بشخص والده شفيق عبد ربه من خلال أفيهات مثل: «شفيق يا راجل.. اللي كان يمشي في الشارع»، و«شفيق يا راجل.. الطويل القصير»، و«شفيق يا راجل.. الضعيف التخين»، و«شفيق يا راجل اللي لما يعطش يشرب»، و«شفيق يا راجل اللي لما يستعجل يمد»، وغيرها لم تكن مكتوبة في النص أو ضمن أحداث المسرحية، وإنما ابتدعها وارتجلها نجم حينما نسي أحد أدواره وصعب عليه المواصلة لعدم وجود من يذكره ويلقنه. وهذا ما أخبرنا به نجم في إحدى المقابلات التي أجريت معه قبل إصابته بجلطة دماغية ووفاته في مشفاه فجر يوم الأربعاء 5 يونيو 2019، الموافق لأول أيام عيد الفطر. وكان آخر أعماله مسرحية «مطلوب غبي فوراً» في عام 2015.

إلى جانب شهرة محمد نجم في ابتكار وارتجال الأفيهات، امتلك الراحل موهبة التقليد بطريقة ساخرة، ومن ذلك قيامه بتقليد الفنان الكبير توفيق الدقن أثناء عملهما معاً في مسرحية «البلدوزر» عام 1986 من إخراج عبدالمنعم مدبولي؛ ففي أحد المشاهد التي جمعته بتوفيق الدقن راح نجم يسخر منه ويقلده ويردد كل اللازمات والأفيهات التي اشتهر بها توفيق الدقن في السينما مثل: «ألو يا أمم» و«يا آه يا آه» و«أحلى من الشرف ما فيش»، و«آلو يا همبكة»، وغيرها.