رد لبنان على الورقة الأمريكية.. جدل دستوري

بعدما أخذت الورقة الأمريكية ما أخذت من جدل وأخذ ورد حول مضمونها المتعلق بسلاح "حزب الله" وغيره من سلاح بأيد غير الجيش والقوى الأمنية، انتقل الجدل من مضمون الورقة والرد، إلى دستورية الرد والجهة المنوط بها اتخاذ القرار بشأنه، استناداً للدستور اللبناني.

ومن جديد، تعود المادة 52 من الدستور اللبناني إلى الواجهة، في ظل "منعطف تفاوضي" حول مستقبل السلاح وما يتعلق به من مجريات الأمور على الجبهة الجنوبية مع إسرائيل.

الورقة التي قدمها المبعوث الأمريكي توماس باراك تطرح خطوطاً عامة لخريطة تفاهمات أمنية واقتصادية وسياسية، تتطلب موقفًا لبنانياً موحداً، وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة، رغم إعراب باراك عن ارتياحه من الرد اللبناني وإعفاء القيادة في بيروت من عقدة الجدول الزمني لنزع السلاح.

نقاش دستوري

لكن بعض الأطراف اللبنانية أثارت نقاشاً بشأن دستورية الرد من باب دستوري مرتبط بالمادة 52 التي تنص على أن "رئيس الجمهورية يتولى التفاوض في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح المعاهدات نافذة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء".

النص الذي يبدو واضحاً ببعده اللغوي، بات عُرضة لتأويلات متضاربة إزاء تحويله إلى آليات، وبخاصة أن اتفاق الطائف الذي تم التوصل إليه سنة 1991، نقل الثقل التنفيذي للقرارات إلى مجلس الوزراء. وبالنظر إلى أن ورقة باراك قد تُفضي – في حال قبولها – إلى اتفاق ضمني مع إسرائيل، فإن حساسية الملف تستدعي مراجعة معمّقة للنصوص والسياقات، بحسب أطراف لبنانية تتموضع بعيداً عن السلطة وتعارض "حزب الله" وسلاحه.

الردّ اللبناني على الورقة الأمريكية جرى التوافق عليه ضمن لجنة ثلاثية تمثل الرئاسات الثلاث، وشُكّلت تحت ضغط الحاجة إلى مخاطبة واشنطن والغرب بشكل "جماعي". لكن هذا الإجراء لم يُرضِ أطرافاً رئيسية داخلية، حيث عبّرت قوى معارضة، من خارج ثنائية "حزب الله – أمل"، عن امتعاضها من الرد الرسمي، معتبرة أنه غير كافٍ وغير واضح في الالتزام بحصرية السلاح بيد الدولة.

موقف حاد

وبرز موقف حاد لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي وصف الرد اللبناني بأنه "غير دستوري وغير قانوني لأنه لم يصدر عن مجلس الوزراء".

وقال في بيان إنه استناداً للدستور "مطلوب من رئيس الحكومة أن يدعو مجلس الوزراء إلى الاجتماع دون إبطاء، بعد أن يكون قد أطلع الوزراء على ورقة باراك، وأن تتم مناقشة الورقة في اجتماع، أو اجتماعات متتالية لمجلس الوزراء مكتملاً لاتخاذ الموقف الدستوري الرسمي منها".

واعتبر أن "حزب الله كبد البلاد والعباد ما رأيناه في السنوات الثلاثين الأخيرة وفي السنتين الأخيرتين تحديداً، ويظهر أنه مصر على تكبيد البلاد مزيداً من الخسائر والشلل والفرص الضائعة".

وقال: "إذا كان موقف حزب الله على ما هو عليه من منطلقات أيديولوجية جامدة، ومن ارتباطات خارجية معروفة، فليس معروفاً لا سبب ولا خلفية موقف السلطة اللبنانية الحالي".

وما يُفاقم الأزمة الدستورية غياب محكمة دستورية في لبنان يمكنها أن تفصل بشكل قاطع في تفسير المادة 52. هذا الغياب يسمح لكل طرف بتقديم تفسير سياسي يخدم موقعه وموقفه.