حيث تبين أن الاستهداف كان مقصوداً كون القاعدة تعد مقراً لمقاتلات باكستان الأحدث والأهم في سلاحها الجوي، وتعمل أيضاً كمستودع لوجستي للقوات الجوية الباكستانية.
لكن ما ظل لغزاً محيراً هو نجاح الولايات المتحدة السريع في تهدئة الأوضاع بين الجارتين اللدودتين، ومنع إسلام آباد من الرد على قصف درة قواعدها الجوية، وإقناع نيودلهي بوقف استهداف القاعدة مجدداً والاكتفاء بما حدث.
ذلك أن تسلسل التدخل الأمريكي يطرح أكثر من علامة استفهام. فالولايات المتحدة أعربت على لسان نائب رئيسها قبل ساعات من قصف قاعدة نورخان أنها لن تتورط في نزاع لا يخصها، لكنها غيرت موقفها 180 درجة بعد قصف الهنود للقاعدة.
وراحت تتحرك من خلف الكواليس لنزع فتيل الأزمة، وإجبار المدير العام للعمليات العسكرية الباكستانية على التحدث مباشرة مع نظيره الهندي من أجل اتفاق متبادل لوقف إطلاق النار.
ويضيف غول إن أهمية القاعدة المذكورة لباكستان نابعة من قيمتها الاستراتيجية بسبب موقعها القريب من العاصمة إسلام آباد ومن مدينة راوالبندي المجاورة، واحتضانها للمقر العام للجيش ووحدات العمليات الخاصة وقسم الخطط الاستراتيجية الذي يدير الترسانة النووية للبلاد.
أما أهميتها للولايات المتحدة فنابعة أيضاً من موقعها ومرافقها اللذين يسمحان للقوات الأمريكية باستخدامها في هبوط طائراتها وإقلاعها بانتظام وفي أجواء من السرية والشفافية المحدودة للقيام بمهام عسكرية سرية مختارة لإحباط مخططات إرهابية محتملة.
وتؤكد من ناحية أخرى استمرار ما بدأ في عام 1958 من تعاون عسكري باكستاني أمريكي محدود، سرعان ما توسع وتعزز كثيراً خلال سنوات الحرب الباردة، ورافقه دعم مالي واقتصادي ودفاعي ضخم، ولا سيما إبان الحرب الأفغانية في الثمانينيات والحرب الأمريكية على الإرهاب في التسعينيات.
وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور تقارير تتحدث علنا حول أمور مثل احتواء قاعدة نورخان الجوية على بعض الأقسام المخصصة لاستخدام الأمريكيين حصرياً، وتقييد الوصول إلى القاعدة إلا لعدد محدود من كبار الجنرالات، وتشديد الرقابة على مخارج القاعدة ومداخلها.
و«دالبندين» و«بادابر» لتنفيذ غارات بطائرات من غير طيار، والقيام بعمليات استطلاع وجمع معلومات استخباراتية، وشن عمليات لوجستية في أفغانستان، وذلك مقابل حصول باكستان على مساعدات وتسهيلات بمليارات الدولارات.
وتفيد الإحصائيات الأمريكية المتوفرة بأن باكستان حصلت منذ عام 1958 على حزمة قروض مدعومة أمريكياً من صندوق النقد الدولي بلغ مجموعها نحو 34 مليار دولار، إضافة لهبات إنسانية لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من الكوارث في باكستان وبرامج دعم لصيانة وتحديث أسطول مقاتلات «إف 16» الباكستاني.
بل إن واشنطن قامت خلال الحرب الخاطفة الأخيرة بتسهيل حصول باكستان على مليار دولار من صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من امتعاض الهنود من تلك القروض ومخاوفهم من استخدامها في أغراض عسكرية، فإن واشنطن استمرت في تقديمها على أمل إيقاف التعاون الباكستاني الصيني أو تحجيمه، بينما فضلت نيودلهي الصمت على أمل فشل مراهنة الأمريكان على باكستان كحليف موثوق به.