المرونة الإدارية.. فن التصدي للمخاطر واحتواء الأزمات

في عالم تحكمه التغيُرات السريعة، والتحديات غير المتوقعة، أصبحت المرونة الإدارية أمراً لازماً للحكومات الرصينة، والمؤسسات الناجحة؛ إذ إنها تُمكن القادة والمديرين في عالمنا المعاصر من التكيّف مع الظروف المُتغيرة، وتسمح بصنع واتخاذ قرارات فعّالة في مواجهة المخاطر، واحتواء الأزمات بطرق إبداعية، وأساليب مبتكرة.

تبرز أهمية المرونة الإدارية في مساعدتها على التنبؤ بالمخاطر، من خلال تطوير أنظمة رصد المخاطر المُحتملة قبل وقوعها. إضافةً إلى دورها في التفاعل الإيجابي مع الأزمات المفاجئة، الأمر الذي يسمح بالسيطرة على التأثيرات السلبية الناتجة عنها. كما تعمل المرونة الإدارية على تفعيل استراتيجيات استجابة مدروسة وسريعة التنفيذ في الواقع الميداني للمؤسسات.

تماشياً مع أهمية المرونة الإدارية في حياة الدول والمجتمعات، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، بصفته حاكماً لإمارة دبي، المرسوم رقم (48) لسنة 2024، بإنشاء (مركز دبي للمُرونة)، باعتباره مؤسسة عامة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والأهلية القانونية اللازمة لمباشرة الأعمال والتصرفات التي تكفل تحقيق أهدافه، ويتبع المركز (اللجنة العليا لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث في دبي).

يستهدف المركز جعل دبي المدينة الأكثر مرونة في التعامل مع مختلف المخاطر والطوارئ والأزمات والكوارث، وتأكيد قدرتها على اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوع أي منها، والتصدي لها، مع تأكيد سرعة التعافي من آثارها حال حدوثها، وتنسيق وتوجيه الجهود المشتركة لمواجهة أي من تلك الأحداث بكفاءة وفعالية، ودعم جهود اللجنة العليا في هذا الخصوص.

‎من جانب آخر، وبتاريخ 28 نوفمبر 2024، وتأكيداً على الدور الإيجابي والمؤثر للمرونة الإدارية، اعتمد سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي، استراتيجية دبي للمرونة. في هذا الشأن قال سموه: «العالم في تغيّر دائم والمرونة هي ما يميز تفرّد دبي في مواكبة المتغيرات، لدينا مكتسبات ونجاحات كبيرة ومن المهم جداً الحفاظ عليها، ودبي لديها خبرة في مواجهة التحديات، ونجاحها في التعامل الأمثل خلال أزمة «كوفيد 19» خير برهان. واستكمالاً لهذا المسار، اعتمدنا «استراتيجية دبي للمرونة» التي تعزز مكانة دبي في صدارة مدن العالم من حيث الجاهزية والاستباقية والاستعداد للطوارئ والتحديات والأزمات أياً كانت».

وأضاف سموه: «غايتنا أن تكون دبي بإنسانها ومجتمعها واقتصادها وبنيتها التحتية وحوكمتها الأفضل عالمياً في الجاهزية والاستجابة والمرونة. ونثق بالتعاون والتنسيق الشامل بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة وقطاعات الأعمال ومختلف شرائح المجتمع لصون مكتسبات دبي وأصولها الاستراتيجية والبناء عليها لمستقبل آمن مزدهر».

‎خلاصة القول، يتطلب التصدّي للمخاطر والطوارئ والأزمات والكوارث قيام الدول والحكومات والمؤسسات بإعداد وتصميم منهجيات عمل مبتكرة تضمن استمرارية الأعمال من جهة، واستدامة الموارد من جهةٍ أخرى. هذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا بوجود خطط طوارئ مُحكمة، مع تمكين لفرق عمل متخصصة، وتواصل فعّال بين المعنيين، وفهم أوسع لجذور المخاطر والأزمات. كل ذلك يستلزم وجود قيادة ديناميكية في المؤسسات، مع ترسيخ لثقافة التغيير وإدارة التغيير، إلى جانب الاستفادة من التكنولوجيات المتقدمة الخاصة بالثورة الصناعية الرابعة، والتي يأتي في مقدمتها الذكاء الاصطناعي، مع أهمية الاستمرار في تنمية وتطوير قدرات ومهارات الموظفين لجعلهم أكثر قدرة على إدارة المخاطر، والتفاعل الإيجابي مع الأزمات.