مبدأ ترامب في السياسة الخارجية

عُرف بعض الرؤساء الأمريكيين بمبدأ أو آخر في السياسية الخارجية.. ويشير المبدأ إلى مجموعة الرؤى والمواقف والتوجهات لرئيس معين. وكان جيمس مونرو أول هؤلاء الرؤساء، ممن عُرفوا بمبدأ أو عقيدة في السياسة الخارجية.

فقد أعلن الرئيس مونرو في خطاب حالة الاتحاد، أن الولايات المتحدة لن تتدخل في شؤون أوروبا، وأن على أوروبا ألا تتدخل في شؤون الأمريكتين. كان ذلك في عام 1823، وقد عُرف هذا الإعلان لاحقاً بمبدأ مونرو.

ويقول أحد المثقفين الأمريكيين المشهورين في عام 1903، وليام غراهام سمنر: إذا أردت حرباً غذِّ مبدأ، في تعليقه على التوسع الأمريكي لطرد الإسبان من كوبا، تحت مبرر مبدأ مونرو. وقد استخدم الرؤساء الأمريكيون هذه المبادئ لتبرير حروبهم ضد خصومهم.

ولعل أهم مبدأ بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، هو مبدأ أيزنهاور، والذي تعهد بمساعدة أي دولة في المنطقة مهددة بالخطر الشيوعي. وفعلاً، استغل الرئيس اللبناني كميل شمعون في عام 1958 هذا المبدأ.

وأدخل لبنان أزمة دستورية وحرباً أهلية لفترة وجيزة. وقد ادعى الرئيس شمعون أنه يتعرض لمؤامرة شيوعية، وعلى إثره، أرسل الرئيس أيزنهاور قوات المارينز.

والتي قامت بعملية إنزال على شواطئ بيروت. وقد ألصق أسماء رؤساء أمريكيين آخرين بمبدأ لتحديد سياستهم الخارجية. والسؤال، هل لدى الرئيس الحالي دونالد ترامب مبدأ يحدد سياسته الخارجية؟

نظرياً، هناك مبدأ ترامب في السياسة الخارجية.. مبدأ ترامب عبارة عن مجموعة من الرؤى، أعلنها الرئيس مرات عديدة، بل إنها صاغت حملاته الانتخابية الرئاسية الثلاث. يتلخص هذه المبدأ في أمريكا أولاً، أي أن المصالح الأمريكية مقدمة على كل اعتبار.

والثاني، عدم الدخول في حروب بلا نهاية في منطقة الشرق الأوسط، كما فعل أسلافه. ثالثاً، توسيع الاتفاقات الإبراهيمية، لتشمل الدول العربية وإسرائيل.

رابعاً، الضغوط القصوى على إيران، خامساً، الكف عن فرض القيم الأمريكية والديمقراطية على بلدان العالم، كما قد روج المحافظون الجدد في عصر جورج بوش الابن.

بالنسبة للمبدأ الأول، فإن الرئيس الأمريكي في العهدة الثانية، سعى لتوسيع القاعدة الاقتصادية للولايات المتحدة، عبر سياسات ممكن وصفها بالمركنتالية الجديدة، والتي من خلالها تزيد من صادرات البلاد، وتخفيض الاستيراد، لتحسين الميزان التجاري.

ومعالجة الفجوات في الاستيراد والتصدير. لا شك أن هناك ثمناً لهذه السياسات، والتي قد ترتد على الولايات المتحدة. وقد اتخذت الدول المستهدفة إجراءات مماثلة، ما يقلص من الصادرات الأمريكية أيضاً.

عدم التورط في حروب خارجية، إلا إذا هددت مصالح الولايات المتحدة مباشرة، والذي يبدو أنه عقلاني في حد ذاته.. ولكن الإنتاج والتجارة العالمية تحمى بالقوة العسكرية.. وإذا لم تكن هناك دولة أو دول تقوم بتقديم الحماية للنظام العالمي، وتقديم ما يعرف بالمنافع العامة الدولية، فإن النظام العالمي سينهار.

ولعل سعي الولايات المتحدة لإنهاء الحرب القصيرة في المنطقة، مردها خوف ترامب من التورط في حرب طويلة، كما حصل في العراق وأفغانستان.. ولكن، وكما حصل هذه المرة، فإن احتمالات تورط الولايات المتحدة بشكل أكبر محتملة.

الأدهى من ذلك، أن ترامب غير واضح في مواقفه، فلا أعداؤه يأخذونه بجد، ولا أصدقاؤه يعرفون ماذا يريد، وبالتالي، الانزلاق في مواجهات واردة، بسبب ضبابية المواقف، المصداقية في السياسة الدولية مهمة، والوضوح مهم، لغاية إرسال رسائل إلى الخصوم والحلفاء.

بالنسبة لتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية، فإن ترامب يسعى جاهداً ليكون داعية سلام، لا سيما بين العرب وإسرائيل. الظروف التي نشأت فيها هذه الاتفاقات، اختلفت في مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر.

وتصر الدول العربية، خاصة المملكة العربية السعودية، أن ترى مساراً واضحاً لدولة فلسطينية مستقلة، قبل الولوج في اتفاقيات مع إسرائيل. ولا يمكن تخيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، أو في المستقبل، أن توافق على شيء من هذا القبيل.

النقطة الأخيرة المتعلقة بحرية الأقطار في اختيار نظامهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، يلقى صدى كبيراً في العالم، وإقليم الشرق الأوسط بالذات. لا تقبل الدول فرض مذهب أو قيم عليهم من الخارج، تحت أي دعاوى. هذا مبدأ ترامب، بيد أن مدى التزامه بالمبدأ، سيكون فيه وجهة نظر!