ماذا لو كان «الإخوان» هنا؟

تتابعت على منطقتنا العربية وإقليمنا الشرق أوسطي خلال العقد الأخير، وخصوصاً في الأعوام الثلاثة الأخيرة، مجموعة كبيرة من الصراعات والأزمات غير المسبوقة في عدد من دولها.

وكانت آخرها المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران التي انتهت في اثني عشر يوماً، وقبلها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي اقترب شهرها الحادي والعشرين على الاكتمال، وأثنائها سقوط النظام السوري بعد حكم استمر لأكثر من نصف قرن، قضى منها الرئيس المخلوع بشار الأسد 24 عاماً ووالده حافظ الأسد 29 عاماً.

وقبل بدء هذا العقد المتخم بالتطورات الكبرى الخطيرة في منطقتنا، وبالتحديد قبل اثني عشر عاماً اكتملت تماماً يوم 30 يونيو الماضي، شهدت أرض الكنانة حدثاً تاريخياً غير مسبوق في عصرها الحديث كله، بخروج الغالبية الساحقة من الشعب المصري في ثورة شعبية هي الأكبر طوال هذا العصر.

لكي تطيح بحكم جماعة «الإخوان» الذي هيمن على كل مقدرات البلاد خلال العامين السابقين، ولتحرر وتنقذ مصر من تداعيات غاية في الخطورة لو استمر هذا الحكم خلال السنوات التالية.

ويبدو واضحاً هنا أن العلاقة بين الإطاحة بحكم «الإخوان» في مصر وبين ما شهدته منطقتنا وإقليمنا من تطورات خطيرة خلال السنوات التي تلته، لها دلالتان مهمتان، ستسعى السطور الحالية للتفصيل فيهما.

والدلالة الأولى المهمة هي أنه قبل الإطاحة بنظام «الإخوان» في مصر بثورة 30 يونيو، كانت الجماعة، حتى قبل استيلائها على الحكم في مصر وفي تونس عقب الربيع العربي، تحاول التأثير على الغالبية الساحقة من التطورات الرئيسة التي كان عالمنا العربي ومنطقة الشرق الأوسط يشهدانها لسنوات طويلة.

وقد سعت الجماعة بعد هذين الاستيلاءين، وخصوصاً على مصر، أن تصدر نظامها إلى بعض الدول العربية، في مخطط منها لتكون المؤثر الأكبر على ما يمكن أن يجري في المنطقة من تطورات.

وفي هذا السياق، يبدو واضحاً من مجمل التطورات الرئيسة التي سبقت الإشارة إلى بعضها، ويضاف إليها ما يشهده اليمن وليبيا والسودان والصومال، أنه لا وجود تقريباً لجماعة «الإخوان» سواء بمركزها المصري الذي تشقق لثلاث عواصم، أم بفروعها القائمة في بعض البلدان العربية، في مجريات وتفاصيل هذه التطورات الكبرى.

حيث انعدم تأثيرها الفعلي على أي منها، واكتفت الجماعة المركزية وفروعها بالتعليق الإعلامي من خلال أبواقها وإصدار بيانات قصيرة باهتة حول بعضها.

وأما الدلالة الثانية ذات الصلة المباشرة بالأولى، فهي أن الهجوم الإسرائيلي على غزة، قد أنهى دعاية الإخوان التي استمرت منذ حرب عام 1948 وحتى سقوط حكمهم في مصر، بأن القضية الفلسطينية هي الأهم بالنسبة لهم، وأنهم قد سعوا طوال الوقت لمساندتها بكل السبل.

فقد بدا واضحاً تماماً الغياب شبه التام لأي قدرة للجماعة على أي نوع من الحشود الجماهيرية التي كانت تستغلها فيما قبل، في محاولتها لإظهار قدراتها التنظيمية وما تزعم أنه دعم للقضية الفلسطينية.

كذلك، فقد وضح تماماً أن الحضور الطاغي للدولة المصرية ومعها المملكة الأردنية، ومعهما كل الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، في الدفاع عن القضية الفلسطينية والحيلولة الحاسمة لأي مخطط لتهجير الفلسطينيين وتصفية هذه القضية، فضلاً عن تقديم المساعدات الإنسانية التي يحتاجها أهل غزة والسعي الدؤوب لإدخالها.

والعلاقات الوطيدة التي ربطت مصر خصوصاً بأهل القطاع، كل هذا قد أفشل أي محاولة لـ «الإخوان» لركوب موجة الحرب واستغلالها في خلق شعبية لهم، فغابت الجماعة الإرهابية هذا الغياب الملفت وغير المسبوق عن تلك الحرب الأطول في تاريخ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والأكثر خطورة فيه.

ولكي نتأكد من مدى صحة الدلالتين السابقتين، علينا فقط أن نتخيل حدوث التطورات الكبرى المشار إليها قبل الإطاحة بحكم «الإخوان» في مصر، أو لو أنهم – لا قدر الله – استمروا في الاستيلاء على حكمها، فماذا كان سيصبح عليه حال عالمنا العربي ومنطقتنا الشرق أوسطية، وإلى أي مسارات كان يمكن أن ننزلق.