إن قرار مسارعة دول مجلس التعاون الخليجي بإدانة الهجوم الإسرائيلي المباغت على إيران في 13 يونيو الحالي، كان صائباً وحكيماً من دول عُرف عنها هدوؤها وحكمتها في إدارة الأزمات مهما بلغت حدتها وتعقيداتها.
والوقفة الخليجية التي اتسمت بالشجاعة ضد مغامرات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، جاءت بشكل جماعي من خلال الأمين العام لمجلس التعاون، وبشكل فردي من كل دولة خليجية لغرض سياسي مهم.
وهو إدراك القيادة السياسية الخليجية أن هدف مفتعل هذه الحرب وهو نتنياهو يكمن في: استدراج إيران إليها وتوريط الجوار الجغرافي فيها، بصرف النظر عن المحصلة النهائية لها، لذا كان السعي الخليجي متركزاً على التواصل المستمر مع القيادة الإيرانية لعدم منحه تلك الفرصة.
هذا الموقف الخليجي الإيجابي مع إيران، هو ما يدفعنا إلى لوم النظام الإيراني على استهداف دولة قطر الشقيقة مساء الاثنين والهجوم عليها، وكذلك تصريحات بعض مسؤولي إيران بتهديد استقرار المنطقة، وكأنهم بذلك يخدمون أهداف نتنياهو ونواياه غير المحمود العواقب..
ومع أن أمر الاستهداف الإيراني على قطر لا يمكن اعتباره مفاجأة على الأقل، من باب أنه أحد سيناريوهات حالة القلق التي تعيشها المنطقة وبالتالي فهو متوقع، إلا أن الأمر قد يدفع بالمنطقة بأكملها في اتجاه الحرب وتقويض المساعي السلمية للدول الخليجية في التهدئة والعودة إلى المفاوضات.
المشكلة الآن، أنه حتى لو اعتقدنا أن الهجوم الصاروخي الذي قامت به إيران ضد دولة قطر الشقيقة بات وراء ظهورنا كأبناء الخليج، وأنه جاء في لحظة خطأ في تقدير الموقف الإيراني.
والذي ألحقه ببيان يوضح فيه النظام الإيراني رغبته في ألا تمس وتضر هذه الضربات الصاروخية بالعلاقات التي تربطها بقطر، إلا أن السؤال هنا:
كيف لنا في دول الخليج العربي أن نثق مرة ثانية من نوايا الجار الإيراني، وكيف يمكننا كأبناء الخليج أن نمحو من ذاكرتنا التهديدات الإيرانية باستهداف دول خليجية أخرى؟!
في تفسير البعض أن الهجوم الإيراني استهدف قاعدة أمريكية موجودة فيها ولم يستهدف دولة قطر، لكن علينا في المقابل ألا ننسى أن الوصول إلى هذه القاعدة الأمريكية التي تستضيفها دولة قطر لا بد للصواريخ الإيرانية من اختراق الأجواء القطرية، وبالتالي انتهاك سيادتها هذا وفق عرف القانون الدولي، وبالتالي فالنظام الإيراني في هذه الحالة هو منتهك السيادة القطرية.
إيران لم تكن تريد هذه الحرب حقيقة، على الأقل لأنها كانت تجري مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الملف النووي، والطرف الذي كان يسعى في الوساطة ويتحمل عبئها الدبلوماسي هي سلطنة عمان، أحد أعضاء المنظومة الخليجية بتأييد كامل من الدول الخليجية الأخرى.
ومع ذلك لم تسلم من تهديد النظام الإيراني، لكن يبدو أن إسرائيل نجحت في استدراج إيران إلى هذه الحرب وهذا هو كان رهان نتنياهو أمام المجتمع الدولي.
وفق الحسابات السياسية، فإن المستفيد الوحيد من تصعيد هذه الحرب وتوسعتها هو بنيامين نتنياهو تحديداً، فمستقبله السياسي مرتبط باستمرار الحروب في المنطقة، وهذا يدركه الكثيرون في الداخل الإسرائيلي وخارجها، أما عن الخاسر في نظرية تمادي نتنياهو فهي بقية دول المنطقة كلها.
ما أريد قوله، إن صراعات هذه المنطقة لا يمكن حلها بالقوة كما أثبتت التجربة التاريخية القريبة، والسبب حالة التعقيدات الدولية فيها، فكل دول العالم لديها مصالح فيها ولن يقبل طرف الإضرار بمصالحه، خاصة الدول الكبرى في العالم مثل الصين وروسيا.
وقد جُربت القوة في أزمة غزو الكويت كما جربت في تحرير العراق بل إنه حتى تعقيدات القضية الفلسطينية على مر العقود كانت تلك القوة هي السبب في فشل كل محاولات حلها.
إن ما تحتاج إليه هذه المنطقة (الأهم في الاستراتيجية العالمية) هو اتفاق بين دولها بعدم اللجوء إلى القوة كأسلوب لعلاج صراعاتها، على أن تدعم الدول الكبرى هذا الاتفاق من خلال إجبار الحكومة الإسرائيلية الحالية والقادمة على إعطاء الفلسطينيين حقهم في إنشاء دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس. أما إعادة تسليح إسرائيل والصمت على المغامرات العسكرية لحكوماتها، فهذا سيؤدي في كل مرة إلى كارثة تهدد استقرار المنطقة وربما العالم.