مُشتِّتات الحياة «الليزرية»!

اضطر قائد طائرة تابعة لخطوط «فيرجن أتلانتيك» البريطانية المتجهة إلى نيويورك، إلى العودة لمطار هيثرو في لندن، كإجراء احترازي، بعدما أُطلقت عليه أشعة ليزر باتجاه قمرة القيادة الأمر الذي أحدث ربكة لدى الطيارين.

تعرض نحو نصف الطيارين (55%) في المطارات البريطانية لمشتتات ليزرية خلال عام واحد، مما حدا باتحاد طياري الخطوط الجوية البريطانية (بالبا) إلى المطالبة، بتصنيف مؤشرات الليزر ضمن «قائمة الأسلحة الهجومية»!

وقد قرأت ذات يوم في صحيفة «التايمز» أن استبياناً للرأي قد كشف أن الأرقام قد تكون أكثر بكثير لأن أعداداً «هائلة» من الطيارين لا يتقدمون بشكوى رسمية عند تعرضهم لأشعة ليزر أثناء الإقلاع والهبوط. اللافت أن المشتتات أو أجهزة الليزر و«الأعمال الصبيانية» تجاه الطائرات في تزايد يثير القلق.

والمفارقة أن القانون البريطاني يجرم تسليط الضوء على الطائرات على نحو يربك الطيار، غير أن حيازة أجهزة ليزر لا تعد بحد ذاتها مخالفة قانونية! ولذلك قال خبير في سلامة الليزر من هيئة الصحة العامة البريطانية في أحد التقارير الإعلامية، إن القوانين الحالية كافية، لكنه أوصى بأن تُتاح لعامة الناس فقط الليزر المنخفض الوميض (بقدرة واحد ميلي واط).

وتشير القصص أيضاً إلى أن شاباً متمرداً من اسكتلندا حُكم عليه بالسجن عاماً كاملاً بعد تسليطه لشعاع ليزر نحو مروحية تابعة للشرطة واستطاعت السلطات تحديد مكانه باستخدام تقنيات التصوير الحراري في عام 2014. وفي إحدى تلك الحوادث أجبر الطيارون على الاعتماد على أجهزة الملاحة التقليدية للهبوط بسلام بعد تعذر الرؤية من شدة الأشعة الحمراء.

هذه المشتتات الليزرية قد تسبب «فقداناً مؤقتاً للبصر» أو ما اشتهر بتسميته بـ«العمى اللحظي» للطيارين. غير أنها واقع لم تفلح جهود النقابات ولا القوانين في ردعها. وهي تماماً مثل مشتتات الحياة يصعب أن نمنعها، ولكننا نملك أن نتعامل معها بحكمة حتى لا تثنينا عن المضي قدماً نحو وجهاتنا المنشودة.

من مشتتات الحياة، عوارض الطريق فما أكثر الضجيج الذي يبدد روعة التركيز. من ذلك مثلاً المبالغة في التفكير في بديهيات أو ما يطلق عليه «over thinking» أو المبالغة في جمع المعلومات، والتسويف غير المبرر، فيتشتت الذهن عن بلوغ أهدافه.

من مشتتات الحياة، القلق المفرط من المستقبل، وعدم الرغبة في تحمل أي هامش من المخاطر، على الرغم من أن الحياة في الواقع مليئة بالمخاطر. فقيادة السيارة محفوفة بالمخاطر أكثر من الطائرة، ومعظم نشاطات اليوم عرضة لمكاره لا حصر لها، لكن التوكل على الله والأخذ بالأسباب يسهل المسيرة.

من مشتتاتنا الحياتية كلام المحبطين. فنحن نعيش في مجتمعات لا يتردد البعض في التطوع بتقديم النصائح في أمور لا يفقه بها شيئاً، فيضلل المنصوح بكلام فارغ. بعض المشتتات ترتكز على تجارب فردية لا يمكن تعميمها لاختلاف الزمان والمكان وطبيعة العمل.

الحياة بطبيعتها تتطلب مزيداً من التركيز، تماماً مثل مهمة قبطان الطائرة، لتجنب وقوع الكارثة. فكثير من المكاره وقعت في غفلة من الزمن أو في لحظة الانشغال بالتوافه عن عظائم الأمور. فمهما كانت المشتتات فإنه لا ينبغي أن تشغلنا عن الوجهة النهائية.

كما أن الإنسان بطبيعته يحتاج إلى المقدار نفسه من الحذر الذي يتحلى به قائد الطائرة فلا يدري أي قرار قد يدفع ثمنه غالياً. والحذر لا يعني التردد بل محاولة «تقليل» التداعيات بقرارات حكيمة. نحن لا نستطيع منع المشتتات، لكننا يمكن أن نتحكم بردود أفعالنا تجاهها.

الليزر يهدد حياة الطيارين لأنه يربكهم في اللحظة الحاسمة كقرار الهبوط أو الإقلاع، وكذلك الحال في شتى قراراتنا التي تتطلب تروياً وثقة بالنفس وقدراتها حتى لا تضيع جهودنا وسط صخب المشتتات.