جورج سجعان جرداق شاعر لبناني من مواليد «جديدة مرجعيون» بجنوب لبنان سنة 1931 (وقيل سنة 1933)، ودرس في الكلية البطريركية ببيروت. لم ينتشر اسمه خارج بلاده إلا بعد أن غنت له السيدة أم كلثوم أغنية «هذه ليلتي» من ألحان محمد عبد الوهاب في عام 1968م.
فمن بعد «هذه ليلتي» غنى من أشعاره ثلة من المطربين والمطربات مثل: وديع الصافي وماجدة الرومي، ونجاة الصغيرة وهبة قواس وغيرهم. وهو من جانبه اعترف صراحة بأن نجوميته وشهرته تعود أساساً إلى «هذه ليلتي» ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم.
لكن كيف اهتدت أم كلثوم إليه، واختارت إحدى قصائده لتغنيها، على الرغم من أن قصيدة «هذه ليتي» بسيطة في كلماتها وتركيبتها وليست بمستوى وجودة القصائد العظيمة التي غنتها «الست» من قبل؟ الإجابة وجدناها في كتاب «الأغاني، قصص وحكايات» لمؤلفه الناقد الفني السعودي علي فقندش، وملخصها أن أم كلثوم ليست هي من اختارت القصيدة، وإنما الذي اختارها هو ملحنها محمد عبد الوهاب.
يقول فقندش ما مفاده أن جرداق عشق صوت وأغاني محمد عبد الوهاب منذ أن سمع له أغنية «الكرنك» من كلمات الشاعر أحمد فتحي في أربعينات القرن العشرين، فقام بتأليف قصيدة جسد فيها إعجابه بتلك الأغنية وصاحبها. ويبدو أن القصيدة بلغت أسماع موسيقار الأجيال ونالت استحسانه، فرغب في الالتقاء بصاحبها ليشكره. وهكذا حينما ذهب عبد الوهاب إلى لبنان ذات مرة من أجل الاصطياف كعادته، طلب من أحدهم أن يأتيه بجرداق، الذي كان يتمنى ويحلم أن يغني عبد الوهاب من كلماته.
يواصل فقندش حديثه، لكن على لسان الصحافي والإذاعي اللبناني ورئيس تحرير مجلة «الشبكة» الفنية جورج إبراهيم الخوري، ليخبرنا أنه بعد لقاء التعارف الأول بين عبد الوهاب وجرداق، ضم الأول الثاني إلى قائمة أصدقائه اللبنانيين التي اشتملت على فيروز والرحابنة وجورج الخوري وعائلة سحاب وغيرهم. ويضيف أنه في أمسية جمعت جرداق ومحمد عبد الوهاب وشخصيات أخرى فنية وصحافية في مقهى رصيف فندق السان جورج الفخم ببيروت، مرر جرداق ورقة من تحت الطاولة إلى عبد الوهاب.
في تلك الورقة كتب جرداق نص قصيدة جديدة له بعنوان «هذه ليلتي» وذيّلها بعبارات تمنى فيها أن يقوم عبد الوهاب بتلحين القصيدة وغنائها بصوته. كانت ردة فعل عبد الوهاب هي ابتسامة لم يفهم جرداق مغزاها، خصوصاً وأن عبد الوهاب دس الورقة في جيب معطفه دون أن يقرأها في حينه تمر الأيام، وقبل حفل أم كلثوم الشهري في العام نفسه (1968)، يتفاجأ جرداق بمكالمة هاتفية من عبد الوهاب يقول له فيها «اسمع أغنيتك اليوم بصوت أم كلثوم في حفلها».
يقول الأديب السعودي عبده خال تعليقاً على هذه الواقعة، ما مفاده أن القاهرة كانت دوماً مأوى أفئدة اللبنانيين ووجهتهم من أجل الشهرة والانتشار والنجومية، وأن جواز مرور الكثيرين منهم تمثل في مواهبهم وأصواتهم وكتاباتهم، لكن جواز مرور جرداق كان «هذه ليلتي، وحلم حياتي بين ماض من الزمان وآت.. الهوى أنت كله والأماني فأملأ الكأس بالغرام وهات».
ونختتم بالإشارة إلى أن الشاعر والكاتب المسرحي جورج جرداق توفي في غرفة العناية المركزة في مشفاه البيروتي عن 83 عاماً بتاريخ 5 نوفمبر 2014، من بعد صراع طويل مع المرض، حرمه من السفر إلى المغرب لاستلام جائزة الإبداع الشعري المقدمة له في تلك السنة من قبل مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين.