أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فجر الثلاثاء، أن إيران وإسرائيل توصلتا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وهو اتفاق بمثابة الهدنة التي تمهد إلى نهاية الحرب بين الطرفين. وجاء الإعلان مفاجئاً في توقيته نظراً إلى ما عرفته الساعات الأخيرة للإعلان من تصعيد غير مسبوق، إثر قيام القوات الإيرانية بضرب قواعد أمريكية في المنطقة، وذلك رداً على الضربات الأمريكية التي استهدفت ثلاثة مواقع إيرانية نووية.
ومع دخول الحرب الإسرائيلية الإيرانية يومها الـ12، أعلنت إسرائيل الموافقة على وقف إطلاق النار، كما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وطالب بعدم انتهاكه، وأقرت كل من إسرائيل وإيران لاحقاً بقرار وقف إطلاق النار.
ورغم أن الاعتقاد السائد بأن الحرب الإيرانية الإسرائيلية لا يمكن لها أن تدوم دون أن تكون هناك مخاطر حقيقية من احتمال توسعها وتحوّلها إلى حرب إقليمية، إلا أن التطورات الأخيرة رجحت سيناريو الحرب، وخصوصاً بعد دخول الولايات المتحدة المباشر فيها، وبعد ردة الفعل الإيرانية ضد قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة، والتلويح بغلق مضيق هرمز أمام التجارة الدولية، وهو مضيق يؤمن كما هو معلوم مرور 20% من تجارة النفط والغاز في العالم.
وبالطبع سرعان ما أطلقت النداءات الدولية من أجل منع انتشار الحرب الذي يهدد بالفعل مصالح دول المنطقة والمصالح الحيوية لعدد كبير من البلدان. ولأن مسار الأحداث لا ينبغي أن يؤخذ بظواهر الأشياء، فإن التصعيد الكلامي والميداني العسكري، كان فيما تأكد لاحقاً، يخفي محاولات كبيرة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار يمكن البناء عليه من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي لإنهاء الحرب.
وبدا أن هذا الاتفاق، على غموض محتواه، أرضى جميع الأطراف، ومهد الطريق لإرساء استقرار نسبي في المنطقة، ولكن هذا الاتفاق لن يكتب له الدوام إلا أذا احترمت كل الأطراف تعهداتها بما يضمن سيادة دول المنطقة ومصالحها الوطنية.
ومع ذلك يذهب الاعتقاد بأن إسرائيل حققت هدفاً استراتيجياً مهماً بإضعاف القدرات العسكرية الإيرانية وتعطيل برنامجها النووي، بعد أن تمكنت، في مرحلة أولى، من ضرب أذرعها في المنطقة، ما قد يجعل منها قوة طاغية قادرة على فرض سيطرتها وسطوتها على الجميع، بعيداً عن الالتزام بقواعد القانون والشرعية الدوليين، وهو ما يجعل من الاستقرار حالة وقتية مرتبطة بالكامل بمصلحة إسرائيل، وهو ما يدفع إلى القول إن السلام والأمن الدائمين في المنطقة يستحيلان في غياب شروط أساسية، أهمها، أولاً احترام سيادة كل دولة ووحدتها الترابية، وثانياً تحقيق سلام شامل يمكن دول المنطقة من الانصراف إلى التنمية لضمان كرامة المواطن أينما كان وتحقيق الرفاهية للأوطان، وثالثاً إلزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي وتحييد برنامجها النووي، والعمل على أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من هذا السلاح المدمر، ورابعاً وأساساً تمتيع فلسطين بدولتها المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية وإلزام إسرائيل بحل الدولتين، وهو اتجاه بدأ يحصد إجماع كل الدول.
ولا ينبغي بحال اعتبار أن أي هدنة أو قرار لإنهاء النزاع يمكن له أن يصمد في ضوء رفض إسرائيل الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة والتي خولتها له قرارات الشرعية الدولية، والتي دونها يستحيل على المنطقة أن تعيش في أمن واستقرار. ومثلما أن السلوك الإسرائيلي ومدى التزامه بمقتضيات القانون وقرارات الشرعية الدولة، سواء تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية أو بمسألة نزع السلاح النووي، من الشروط الأساسية لأي سلام دائم، فإن مدى احترام إيران لسيادة دول الجوار ولوحدة وسلامة أراضيها سيحدد المستقبل الآمن والمستقرّ لكامل المنطقة. إن الحروب آفة لن يستفيد منها أي طرف على المدى المتوسط والبعيد وإن تحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية على حساب الآخر قد يحقق بعض المكاسب على المدى القصير ولكنه وبال دائم على المستوى الاستراتيجي.