يقولون إن العرب لا يحبون الحساب، يميلون أكثر نحو التخصصات الأدبية. غير أن المتأمل لنتائج الاختبارات العالمية يجد بعض البلدان العربية متقدمة على نظيراتها. فدولة الإمارات العربية المتحدة أتت في مرتبة عربية متقدمة، ثم غيرها من البلدان العربية.
صحيح أننا لسنا في مقدمة البلدان المتطورة، لكن حتى البلدان المتقدمة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، لا تجدها في رأس القائمة، بينما تتفوق عليها سنغافورة وهونغ كونغ واليابان.
يبدو أن عقدة الرياضيات قديمة لدى الشعوب. ففي دراسة حديثة - نشرتها «التايمز» اللندنية الأسبوع الماضي - استعرضت نتائج دراسات سابقة التي بلغ عدد الطلبة المشاركين فيها ما مجموعه 1.6 مليون شخص، إذ تبين أن الفتيات أقل احتمالاً لدراسة الرياضيات بنسبة 35 إلى 40 في المئة بعد سن المراهقة (16 عاماً) مقارنة بالفتيان، بالرغم من أن درجاتهن مساوية للفتيان في المرحلة الثانوية.
ويعود السبب في هذه الفجوة إلى عوامل اجتماعية وثقافية مثل الصورة النمطية التي تشير إلى أن الرياضيات «للأولاد» الأمر الذي لا يشعر الفتيات بالثقة والدعم الكافيين لدراسة علم الأرقام.
المعضلة أن عزوف الفتيات عن دراسة الرياضيات يؤثر، كما قال الباحثون، على فرص توافر وظائف لهن في مجالات تتحلى بأجور مرتفعة مثل الهندسة والاقتصاد والإحصاء وغيرها. كما اعتبر الباحثون أن الفتيات لا يحظين بالدعم الاجتماعي الكافي للدخول في عالم الرياضيات.
المتأمل لعلم الرياضيات، يجده يقف خلف علوم كثيرة، فهو في الواقع أساس الذكاء الاصطناعي والبرمجة والهندسة، ومن دون أساسياته يصعب بناء اقتصاد معرفي أو صناعات وطنية.
وكثير من البيانات الضخمة يمكن تحليلها رياضياً لتخرج لنا أطناناً من المعلومات عن سلوكيات البشر التي تلتقطها كاميرات المراقبة والتطبيقات وغيرها.
هذه الكنوز المعلوماتية يمكن «رقمنتها» والاستفادة منها في إنشاء قطاعات جديدة ورديفة تفيد الاقتصاد وتدعمه. كما أن الرياضيات تحسن جودة مخرجات التعليم ومهارات التفكير.
مشكلتنا كعرب مع الرياضيات، أنها ربما لا تُقدم لنا بشكل مشوق وعميق ومعاصر، كما أن المناهج إذا ما كانت متدنية المستوى فإننا لن نحظى إلا بمعلمين متواضعي المستوى أيضاً، فكيف نتوقع أن تكون مخرجات الفصل الدراسي جيدة في حين أن من يقوده يفتقر إلى التعليم الكافي للتألق.
الرياضيات هي لغة الاقتصاد الحديث، فمن خلالها يمكن أن ننشئ جيلاً يحب الأرقام ويحسن التعامل مع الأموال وإدارة الثروات، والتخطيط المالي والاقتصادي.
المعضلة التي تواجه البلدان عموماً هي أن علم الرياضيات يواجه تحديات، منها ما يسمى «بالقلق من الرياضيات» Math Anxiety، حيث نشرت مجلة Nature الذائعة الصيت تقريراً علمياً يشير إلى أن القلق تجاه الرياضيات يتنبأ بتجنب الطلاب لتخصصات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة والرياضيات STEM، تحديداً في مستويات الجامعات. ويعتبر الباحثون والتربويون أن القلق من الرياضيات يعد عائقاً جوهرياً أمام الدخول في تلك التخصصات فضلاً عن تحقيق الإنجازات، على حد تعبيره.
وقد قرأت ذات يوم مقالاً مطولاً لأحد المختصين الأمريكيين في الرياضيات، حاول أن يعزو أسباب كره الناس للرياضيات، إلى التنشئة الاجتماعية التي تنفر الناس من الأرقام، فهو يعتقد أن في داخل كل شخص منا ميلاً نحو الأرقام، فإما أن تطوره المدرسة أو الوالدان أو يتم وأده في سن مبكرة.
والمفارقة أن أشهر الاختبارات التي يقاس بها مدى تقدم المستوى التعليمي في بلد من عدمه تدور حول تخصصات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة والرياضيات والتي تسمى «اختبارات STEM». وهذه شهادة من المختصين في العالم لأهمية هذه العلوم لتطوير البشرية وتحقيق الرخاء والازدهار.
هذا لا يعني أن العلوم الأخرى ليست مهمة، لكن تلك العلوم، وفي مقدمتها الرياضيات، تعد لبنات أساسية لعلوم أخرى ولمجتمع يزخر بالعلم والعلماء.