قصة أغنية عاطفية أنشدت كنشيد وطني

من أوائل الأغاني التي غناها الفنان الكبير طارق عبد الحكيم (1918 ــ 2012)، رائد الأغنية السعودية الحديثة ومطورها وعمود خيمتها وناقلها إلى خارج الحدود، أغنية «أبكي على ما جرالي ياهلي» التي يقول مطلعها: أبكي على ما جرالي ياهلي.. فلبي أنا بالمحبة مبتلي/ ولا حصل من يحل المشكلي.. مع ناعم العود أنا لي مسألة/ ياناس روحي تراها في خطر.. كله من اللي على بالي خطر/ والحب كله على العاشق خطر.. كم واحد ما حصل من ممشى له.

أداها عبد الحكيم في مطلع ستينيات القرن العشرين من ألحانه وكلمات محمد بن ناصر بن سويلم، وسجلها على أسطوانات، وكانت تذاع يومياً من الإذاعة السعودية في جدة.

تميزت هذه الأغنية ببساطة اللحن وسهولة العزف إلى درجة أن اتخذها مدرسو آلة العود كأول درس يعطونه لطلابهم الجدد. وفي هذا السياق أخبرنا المطرب والملحن السعودي الراحل غازي علي (1937 ــ 2021) أن الأغنية من مقام البياتي وإيقاعها «رومبا»، ومن الممكن أن تأتي عليها إيقاعات مختلفة عدة، مضيفاً: «سهولة لحنها يجعلنا نحن المهتمين بتدريس الموسيقى نعتبرها خياراً أولياً لمحبي تعلم العزف على العود».

«ياريم وادي ثقيف»

ذاع صيت طارق عبد الحكيم، وامتدت شهرته إلى مختلف المدن السعودية والخليجية والعربية، خصوصاً منذ أن أطلق أغنيته الأولى الرائعة «ياريم وادي ثقيف» في مطلع الخمسينات من ألحانه وكلمات الأمير الشاعر عبدالله الفيصل، بصوته ثم بصوت المطربة اللبنانية الراحلة نجاح سلام. وكذا كان الحال مع أغنيته الجميلة الأخرى «تعلق قلبي بطفلة عربية» من ألحانه وكلمات إمرئ القيس لجهة الانتشار والصدى الجماهيري الواسع.

غير أن أغنيته، «أبكي على ما جرالي ياهلي»، لها قصة طريفة لم يكن له يد فيها. وملخص الحكاية هو أن ما تحقق لإندونيسيا ورئيسها الأسبق أحمد سوكارنو من صيت عالمي بعد استضافة جاكرتا لقمة باندونغ للدول الأفروآسيوية سنة 1955، شجعها على إقامة دورة رياضية للأقطار الآسيوية والأفريقية واللاتينية النامية بمدينة جاكرتا في شهر نوفمبر سنة 1963، تحت اسم «دورة غانيفو»، خصوصاً وأن اللجنة الأولمبية الدولية كانت قد طردت وقتذاك إندونيسيا من عضويتها بسبب رفض سوكارنو منح تأشيرات دخول لبعثتي تايوان وإسرائيل من أجل المشاركة في دورة الألعاب الآسيوية الرابعة التي كان مقرراً إقامتها في جاكرتا سنة 1962.

«دورة غانيفو»

كانت المملكة العربية السعودية إحدى الدول المدعوة للمشاركة في «دورة غانيفو» المذكورة ضمن 51 دولة أخرى، فأرسلت وفداً يمثلها برئاسة مدير رعاية الشباب آنذاك عبدالله العبادي وعضوية عبدالله كعكي وتيسير مشنوق، علاوة على لاعبي منتخبها الوطني لكرة القدم بقيادة اللاعب المعروف سعيد مذكور الغامدي الشهير بسعيد غراب.

تطرق محمد بن عبد الرزاق القشعمي، الذي أمضى عمراً في دهاليز ودوائر مراكز رعاية الشباب السعودية إلى هذه الحكاية في كتابه «عشر سنوات مع القلم» الصادر من البحرين عام 2011، فأخبرنا ما مفاده أنه طلب من كل وفد أن ينشد نشيده الوطني وقت اصطفاف الوفود في الاستاد الرياضي المخصص، ولعدم وجود نشيد أو سلام وطني للمملكة في تلك الفترة، سارع أعضاء الوفد للاتفاق على تأدية أغنية «أبكي على ما جرا لي ياهلي» بصوت واحد، خصوصاً وأنهم كانوا يحفظون كلماتها عن ظهر قلب لكثرة ما ترددت على مسامعهم من خلال الإذاعات أو الأسطوانات.

وهكذا كانت تلك هي المرة الأولى التي تحل فيها أغنية عاطفية مكان نشيد وطني لبلد ما، ومرت التجربة بسلام دون أن يلاحظها منظمو الدورة.