«صراع العواطف» في الحوار

من أذكى الوسائل في التعامل مع الانفعالات في أثناء الحوارات ما قرأته في الكتاب الجميل والذائع الصيت «Getting to Yes» لروجر فيشر، حينما ذكر أن إحدى اللجان في مصانع الحديد الأمريكية لجأت إلى طريقة بسيطة وذكية في السيطرة على انفعال الغضب لدى المشاركين في اجتماعاتها، حتى لا يتفاقم هذا الانفعال الخطير ويفسد متعة الحوار البناء، وذلك بإصدارها لقرار حاسم لا تسمح بموجبه لأكثر من فرد بأن يغضب في آن واحد.

وهذه الطريقة العملية تحاول الحد من تفاقم مشاعر الغضب في أثناء الاستماع إلى حوارات الآخرين مهما كانت حدة اختلافنا معها. ولا يختلف عاقلان على أن الغضب وغيره من العواطف أثناء الحوار هي مشاعر لا يمكن نزعها من الفطرة الإنسانية لأنها جزء متأصل فينا. فليس لدينا مفتاحٌ للتحكم نغلقه ونفتحه كما نفعل مع مصابيح الكهرباء.

غير أن الإنسان يستطيع التحكم بردود أفعاله، فهناك من يقرر استخدام العنف اللفظي أو البدني حينما يغضب ثم يدفع الثمن غالياً، وهناك من يخزن هذه التجربة الأليمة ثم ينتقم من خصمه ولو بعد سنوات عدة، تماماً كما تفعل الناقة مع من يضرها. وهناك من هم مثل الحمائم ما أن يزعجهم شخص حتى يحلقوا بعيداً عنه حيث المكان الآمن.

والهروب من حوار تختلجه مشاعر مزعجة هو أمر مشروع وليس هروباً كما يظن البعض، لأن الهدف من الحوار هو إيجاد فهم مشترك بين الطرفين، وليس بالضرورة أن نتفق، بل يلتزم كل منا على الأقل بآداب الحوار والتحكم بانفعالاته. ومتى ما كان زمام الحوار في قبضة انفعالاتنا، بدلاً من العقلانية والموضوعية، انحرف الحوار عن جادته وصار مصدراً من مصادر تعكير صفو مزاجنا.

العواطف ليست كلها سلبية، لأن من خلالها يمكن أن نفهم أنفسنا والآخرين حتى نقرر كيف يكون مجرى الحوار الذي نصغي إليه. فلا يعقل أن أعنف أو انتقد شخصاً غاضباً وهو يفرغ ما في جعبته من هموم تراكمت في صدره بسبب صديق متقلب أو مسؤول مزاجي. ولولا الانفعال لما عرفت كيف أتعامل مع محاوري والأمر ينسحب على مشاعر الحزن والفرح والسرور وغيرها.

وقد لا ينتبه البعض إلى أن المشاعر معدية، إذ تنتقل بسرعة مذهلة نحو الآخرين لا سيما في حالات «فورة الغضب» المفاجئة وهو ما يسميه د. روجر فيشر بـOutburst لأنها -حسب قوله- خطيرة، وتفضي إلى المشاجرة العنيفة (violent quarrel). وكم من مشاجرة اندلعت كان قد سبقها تلاسن لفظي أو تجاهل للتصعيد العنيف بين المتحاورين.

ولذلك يلجأ البعض إلى حيل عديدة حتى لا تنشب معارك لفظية نحن في غنى عنها، مثل حيل «الصمت التكتيكي» وهي ما يستخدمه المفاوضون المحنكون عند اشتداد النقاش أو تصاعد حدة الانفعالات، وكأنه يتعمد أن يمنح الطرف الآخر فرصة للتنفيس عن مشاعره ولا يتدخل حتى يهدأ. وقد أثبتت التجارب أن هذا الصمت المتعمد يسهم في تقليل التوتر ويعيد دفة الحوار إلى جادتها الطبيعية.

شئنا أم أبينا، فستبقى عواطفنا مثل النهر المتدفق أو الأفكار المنسابة يصعب منع حدوثها، ولكننا نستطيع الاستفادة منها في فهم أنفسنا والآخرين حتى نصل معهم في حوار بناء إلى بر الأمان.