الصبر الجميل

في حكاية النبي يوسف مع إخوته من أبناء يعقوب، كما وردت في القرآن، قال يعقوب رداً على أبنائه، بعد أن شرحوا له مآل يوسف وكيف أكله الذئب في غفلة منهم: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون».

ولطالما تساءلت كيف يكون هذا الصبر الجميل؟ ولماذا دعا به يعقوب؟ ولماذا يحتاج الإنسان إلى صبر جميل أمام ذلك الحزن العظيم وقسوة الأبناء؟ أليس من الأولى أن يدعو بالفرج والصبر العظيم أو القوي؟

معروف أن اختلاف الإخوة وصراعاتهم وما يدب بينهم من غيرة وكراهية لأسباب عدة من أكثر ما ينغص حياة الوالدين، لكن النبي يعقوب يعلم علم اليقين أن ما ذكره أبناؤه كذب خالص، فكيف يتصرف أمام هذا الكذب؟ هل ينفجر غاضباً؟

يفضح جريمة أبنائه؟ يعترض على قدر الله؟ يلوم نفسه على أنه ائتمنهم على يوسف؟ لا يمكنه فعل أي من ذلك، إنه مضطر لقبول المصيبة والصبر عليها صبراً جميلاً، حتى يجيء الفرج!

هذا التماسك أمام ألم عظيم ومربك يحتاج إلى نوع خاص من الصبر، ليس الصبر الذي يمارسه البشر أمام ابتلاءات الحياة والقضاء والقدر، فيجعلهم بطبيعة الحال، وبسبب حجم الألم، يتذمرون ويبكون ويشتكون للأصدقاء والأحباب ألمهم ومصابهم، ليس هذا هو المقصود بالصبر الجميل الذي دعا يعقوب ربه أن يسبغه عليه، إنما ذلك الصبر الجميل الذي يجعل الإنسان يعيش ألمه وفجيعته بلا شكوى، وبلا تذمر، وبلا بوح للأصدقاء والأهل! فلمن يمكن أن يشكو أولاده وهو يعلم أنهم سبب مصيبته وحزنه؟

لم يكن أمام الأب المكلوم سوى البكاء الصامت والشعور بالأسف، وبتأنيب نفسه على أنه صدقهم وسمح لهم بأخذ يوسف معهم، المسألة في طبيعة العلاقة المعقدة بين الأب وأبنائه العاقين، وبين الإخوة المحكومين بمشاعر الغيرة والحسد تجاه أخيهم، وبإحالة القضية كلها إلى الأب الذي يفرق في المحبة بينهم! إنها قضية تربية وعلاقات أسرية تعاني منها آلاف الأسر بصمت وأسف ربما، لأن لا حل لها سوى الصبر الجميل، كما فعل النبي يعقوب!