وجهاً لوجه.. أمام فيروز

وجدتني أمام فيروز مباشرة، هي تقف على المسرح أمام فرقتها والكورال المصاحب لها، أمامي مباشرة، على بعد أغنية ستنطلق بعد قليل من حنجرة أنقى من الماس لتدخل كل الحضور في تلاوة إنصات صامتة، وعلى بعد ترتيلة، ونشيد حضور.. وأنا ضمن الآلاف جالسة أنظر أمامي وأتساءل أيعقل أنني أمام فيروز؟

كان ذلك في حفلها الذي حضرته للمرة الأولى في مركز دبي التجاري العالمي عام 2001 إن لم تخني الذاكرة، وتكرر السؤال نفسه في آخر حفل حضرته لها على مسرح قصر الإمارات في أبوظبي، مروراً بكل حفلاتها، حيث أجلس في الصفوف الأولى لأتأكد أنني بالفعل على هذا القرب من أسطورة اسمها فيروز عبرت عالمنا وكنا شهوداً وحضوراً على زمنها وفنها.

في حفلها في بيروت، وفي قصر «بيت الدين» بجبل لبنان كنا هناك أيضاً، وكانت فيروز على بعد خطوة من تلال الورد الذي سكبه الجمهور تحت قدميها تحية أو تلويحة احتفال تليق بعيد ميلادها في ذلك اليوم، وعندما خرجت من وراء الكواليس بخطوتها المستقيمة السريعة المعروفة عنها صمت الكورال الذي كان صادحاً قبلها، صمت الغناء في حضرة سيدة الصوت وصمتت الفرقة وأنزل المايسترو عصاه السحرية أمام سحر الفيروز ليتدفق فيضيء المكان.

يومها عرفت زياد الذي تسمر أمام البيانو ووقف كتلميذ أمام حضور الأستاذة!

أما هي فتفعل ما يرسمه لها عاصي، تقف محنية الرأس قليلاً تحيي الجمهور دون مبالغة أو ابتذال، ثم ترفع رأسها وتبدأ بالغناء مباشرة.. وكنت هناك في البحرين أجلس على بعد سلم موسيقي، أرقب تدفق صوتها، واهتزاز كتفها الأيمن، تلويحة أصابعها النحيلة، وهي تستحوذ على المكان والزمان بكامل عنفوانها وبياض ثوبها المرتجف بانعكاسات الضوء وعيون الحاضرين وهمهماتهم وتصفيقهم ودموعهم كذلك! لماذا الدموع لا أدري!

وتكرر المشهد نفسه في كل الحفلات السبع التي حضرتها لها، في افتتاح مدينة دبي للإعلام، وفي الجامعة الأمريكية بدبي، وفي الشارقة يوم مشت بمظلتها وفستانها الأحمر لتستعيد مسرحية صح النوم التي كانت قد أدتها عام 1971 على مسرح البيكاديللي في بيروت، وعام 2008 في دار الأوبرا في دمشق، وعلى مسرح المدينة الجامعية في الشارقة في العام نفسه!