إن الحاجة الدائمة للإعجاب المتزايد والتصفيق والاهتمام، فكرة تبدو لي مثيرة، وصعب التعايش معها بشكل طبيعي، لأنها تُفقد الإنسان خصوصيته وراحته، وتضعه على سطح ساخن من الإثارة والتلصص وفضول الآخرين، فهؤلاء الذين سيصفقون له دائماً، ويمنحونه هذا الإعجاب الثابت والملاحقة، لن يفعلوا ذلك دون مقابل، هذا المقابل سيكون باهظاً حتماً، ومع ذلك، فهناك من لا يتصور الحياة بدون هذا الإعجاب والملاحقة، فهو الدليل الأكيد على النجاح والحضور.
فإذا شعر بانحسار ذلك، سعى إليه بكافة الوسائل، كاختراع القصص والإشاعات، لجلب الاهتمام وإثارة شهية الإعلام والإعلامين والمعجبين.
هذه الفكرة تنطبق حرفياً على نجوم الفن والكرة والسوشال ميديا المعاصرين، فعندما يغمرهم المعجبون بالتصفيق والتقديس والانبهار، يبدؤون بالعيش داخل واقع نفسي غير حقيقي، يشعرون فيه بأنهم أكبر من حقيقتهم، لكنهم بمضي تكرار المشهد، والعيش فيه، يتماهون معه، فيصبح جزءاً منهم، ومن إيمانهم بأنفسهم، هؤلاء هم الذين لا يصدقون انحسار الضوء وخسارة الشهرة!
لقد كانت أعداد الجماهير التي كانت تقف خارج المسرح الذي غنت فيه السيدة فيروز ذات يوم في دمشق، بانتظار فرصة الدخول، أكثر عدداً ممن دخلوا واستوعبهم فضاء المسرح يومها، كانت جماهير السيدة فيروز وأم كلثوم تحديداً، وفي تلك السنوات البعيدة من ستينيات القرن العشرين، تخلق حالة من النشوة والاستلاب، لا يمكن تخيلها، لذلك، فليس من الغريب أن يقع الفنان تحت ضغط تلك الحالة، واستحقاقاتها القاتلة.
يصف جوستاف لوبون الجماهير بأنها كيان ينقل عدوى الانفعال بسرعة هائلة، فحين يقف النجم أمام جمهور يهتف باسمه، ويصفق له طويلاً، فيقف النجم هنا منفعلاً أمام حالة من تعاظم تقدير الذات، الاستسلام للإيحاء، وتبدّل شخصيته نتيجة تعاظم تأثير الجماهير عليه، هذه الحالات الثلاث، تفسّر بدقة كيف يقع النجم في فخ الفتنة، ويصبح محتاجاً إلى الجمهور دائماً، كما يحتاج المدمن إلى جرعته الثابتة من المخدر الذي يتعاطاه!
فكيف يمكن للنجم الممثل، أو الزعيم الديني والسياسي، أو الرياضي أو المطرب، أن ينجو من هذا الفخ؟ ثم أليس طبيعياً أن يصاب هؤلاء بالإحباط والجنون إذا انحسرت عنهم كل عوارض المجد هذه؟.