لا مزيد من الهدم!

في أيامنا هذه، فإن توثيق كل أمر، والحفاظ على كل ما يمت للتاريخ والماضي، يعتبر من التوجهات التي تحرص عليها دولة الإمارات بشكل كبير، وتخوض سجالات طويلة بسببها في أروقة المنظمات المعنية بالحفاظ على التراث، كما تحرص جميع الأمم والشعوب على توثيق تراثها بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة، ابتداء بالأطعمة، وانتهاء بالفن والفلكلور والموسيقى والأدب والنباتات والحرف والمباني.

لقد وضعت منظمة اليونسكو الكثير من المباني التاريخية المعروفة حول العالم شرقاً وغرباً، ضمن قوائمها، ومنعت أي طرف من المساس بها أو التصرف بها أو تعريضها للضرر باعتبارها تراثاً إنسانياً لا يخص أمة أو دولة، ولكن يخص البشرية كلها، فلو تنقلت في مدن إيطاليا مثلاً لوجدت الكثير مما يشار إليه باعتباره إرثاً إنسانياً على قوائم اليونسكو.

لذلك تتنافس المدن والدول اليوم على توثيق تاريخها وتراثها، وتخوض لأجل هذا صراعات ونقاشات وصولات وجولات، في ردهات وقاعات الأمم المتحدة، وهناك صراعات وحروب إثبات حقوق لهذا المكان أو لتلك الحرفة أو لذلك الطعام، فالأمر لم يعد سهلاً كما قد نتصور، لأن الإنسان يسعى جاهداً لإثبات وتبيان جذوره ومدى امتدادها في الأرض، وكلما امتد جذره وأثبت بالوثائق صحة امتداده، اكتسب قوة انتماء وامتلاك وانتساب، وأعترف بهذا عالمياً.

لذلك فإننا اليوم نطالب وبصوت عالٍ، أن لا تهدم المباني القديمة التي وجدت قبل تأسيس الاتحاد أو التي مضى عليها عشرات السنين، كالمدارس والمشافي ومحطات الكهرباء والمساجد وغيرها، فهذه ليست مجرد بناءات، إنها تاريخ حقيقي وسجل تطور وإنجازات وحياة لبلد، وبأجيال تعلمت ودرست وعملت منذ بدايات الدولة فيها، لا بد من الحفاظ عليها وتحويلها إلى متاحف، بدل هدمها ببساطة أو تحويلها إلى مواقف سيارات أو بنايات، كما حدث عندما هدمت مدرسة الخنساء الابتدائية في ديرة كأول مدرسة للبنات في دبي، ومدرسة آمنة بنت وهب أول مدرسة إعدادية، وثانوية الاتحاد أول مدرسة ثانوية.. هذه المدارس هي جزء من تاريخ التعليم في دبي، وما كان يتوجب هدمها أبداً.