كنت في الرباط عام 2024 بدعوة كريمة من إدارة معرض الرباط للكتاب، وقد بدا لي مشهد طوابير الشباب المنتظرين في اليوم الأول وبصبر نافد، وقد انقضى جزء كبير من النهار، مثيراً للدهشة والتساؤل:
مَن هؤلاء ولماذا يقفون هكذا (كنت أرى المشهد هذا لأول مرة في حياتي رأي العين) ومن هو سعيد الحظ هذا الذي يقف له هؤلاء الصغار بهذا الانتظام والصبر والالتزام الذي لا يتفق وطبيعة مراهقتهم المتقدة؟
كان هؤلاء يقفون انتظاراً لكاتبهم المفضل السعودي (أسامة المسلم) صاحب روايات عوالم الجن والمغامرات والفنتازيا، هذا هو التوجه الجديد في قراءات الشباب حول العالم، وقد جاءوا من مدن ومناطق المغرب المختلفة، إذن فهم ليسوا من سكان الرباط، لقد تكبدوا عناء السفر من مدن بعيدة، (محظوظ أنت يا أسامة)! لكن ألهذه الدرجة؟ وابتسمت ثم دخلت إلى إحدى القاعات هرباً من ضجيج الزحام والشمس وتركتهم ينسجون أحلام اللقاء بكاتبهم الكبير!
وفي الداخل لم يكن الضجيج أقل شأناً، لكنه كان من نوع آخر، كان حرس المدرسة القديمة متأففين، متضايقين، يتساءلون: أسامة المسلم هذا من يكون؟ حتى يقف له أحفاد الثقافة الفرانكفونية وتقاليد القراءة النقدية المغربية منذ ساعات الصباح الأولى؟
وتكرر المشهد في عواصم أخرى، وفي كل مرة يتم إلغاء الحدث نظراً للزحام وحالات الإغماء، ويبقى السؤال ماثلاً: ما الذي يحدث ولماذا؟ وماذا يكتب (سي أسامة)؟
بلا شك فإن هناك مجموعة من العوامل الثقافية والسوقية التي تفسر ظاهرة انجذاب جزء كبير من شباب دول المغرب العربي ومصر وتونس...، وهي دول عُرفت تاريخياً بعمق تقاليدها القرائية واللغوية، إلى روايات كاتب سعودي مثل أسامة المسلم، رغم أن هؤلاء الشباب يميلون تقليدياً إلى القراءة بالفرنسية أو الإنجليزية، لعل أبرز هذه العوامل الفضول لدى قرّاء المغرب العربي ومصر تجاه صوت جديد من منطقة لم تكن معروفة سابقاً بصناعة الرواية والفنتازيا تحديداً.
إضافة لآليات وقوة السوشال ميديا التي استغلها المسلم لتقديم وترويج نفسه، فقدّم المسلم صورة كاتب خليجي شاب، متفاعل، قريب من الجمهور، في مقابل صورة الروائي العربي التقليدي «الثقيل». هذا التغيير منحه جاذبية إضافية.