مقال إنعام كجه جي

منذ قرأت لها أول مقال صادفني، قبل سنوات، ومن ثم صرت أتابعها وأقرأ مقالها الذي تشاركه متابعيها على صفحتها في «فيسبوك»، وأنا في كل مرة أحس الانطباع نفسه، لا أحد في هذا الإعلام العربي يكتب مقالاً بهذا الجمال وهذه الحرفية مثلها، وهذه على أية حال وجهة نظر شخصية، لكنني على ثقة أن هناك آلافاً يشاركونني الرأي نفسه.

لقد فازت إنعام كجه جي مؤخراً بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها التاسعة عشرة، فرع (القصة والرواية والمسرحية)، وجاء في حيثيات قرار لجنة التحكيم، أن الفائزة منحت الجائزة «لما تميزت به كتابتها الأدبية من قدرة على المزج بين الجانبين التوثيقي والأدبي»، وقد جاء القرار منصفاً في وقته وتفاصيله، أما بالنسبة لي ككاتبة مقالات أنحاز للمقال أولاً وللمقال آخراً، فأظن أن هناك كثيرين في عالمنا العربي يكتبون الروايات والقصص بجودة واحترافية، لكن لا يوجد كثيرون يكتبون المقال مثل إنعام كجه جي، ولا أدري لماذا أخطأتها جائزة دبي للصحافة، فئة المقال، حتى الآن!!

تكتب إنعام مقالاً لذيذاً، نعم بهذا يحلو لي وصف كتابة هذه المرأة العراقية البغدادية المعتقة، فمقالها يشبهها بلغته الأصيلة، العميقة، الصافية، التي لا تمل ولا تستهجن، لغة صحافية خالصة، وأدبية سلسة وعابقة بروح السخرية، هناك بحث وتتبع واستقصاء لكل موضوع ولكل فكرة تكتبها إنعام بأدوات الصحفي الماهر، الذي درس الصحافة في زمن الصحافة الحقيقية، ولا يزال يقبض على مهاراتها وأخلاقياتها.

تكتب إنعام في السياسة من بوابة حياة ومواقف السياسيين وبطريقتها، تخلط الحكي بالبحث والرأي بالأسرار، لتقدم وجبة صحافية أشبه بطبق عراقي قديم تشبع من رائحته قبل أن تتوغل فيه، وهي تكتب في الأدب والفن وحياة النجوم والأدباء والإنسانيات، لكن كل كلمة وكل فقرة موزونة بدقة كأنها خرجت من بين يدي صائغ ماهر، لا ثرثرة على حواشي النص ولا كلام إنشائي بلا أهمية.

مقال تظل تترشفه حتى النهاية وتفاجأ بنهايته كأنك فوجئت بفراغ كوب شاي عراقي كنت تحتسيه بمتعة!