يكتب شاب أعرفه مقالاً منذ مدة، ليس لأنه مبدع أو مختلف، ولكن لأن له أصدقاء في تلك المجلة يسّروا له الطريق ليجد مساحة يكتب فيها، ولقد قرأت عدة مقالات مما كتب فلم يرق لي، خاصة وأنه لم يطور أسلوبه ولا أفكاره، هذا أولاً، وثانياً فإنه ليس لديه ما يقوله فعلاً، إنه يكتب لأنه يعرف قواعد كتابة المقال لا أكثر.
وهذه ليست كل الحكاية في الكتابة، إنها مجرد السطر الأول! ما يذكرني بعبارة قرأتها للروائي الإنجليزي كولن ويلسون صاحب كتاب «اللامنتمي» الشهير، الذي قرأناه في مراهقتنا عندما كنا نبدأ أولى خطوات الوعي في تلك السن المبكرة.
يقول كولن ويلسون عندما استدعي لتدريب طلاب تقدموا للمشاركة في ورشة الكتابة الإبداعية في الجامعة: (إن معظم هؤلاء جيدون، يمتلكون لغة ممتازة، ويعرفون أساليب الكتابة التي كتب بها تولستوي وديستويفسكي وفيكتور هوجو وغيرهم، إنهم يعرفون كيف يكتبون، لكنهم هم أنفسهم ليس لديهم ما يقولونه..) والكتابة انتماء لفكرة أو قضية أو هدف، لن تبلغه إلا بالكتابة!
قال لي هذا الشاب يوماً: إن أصدقاءه يراسلونه كلما ظهر له مقال في الصحيفة ليخبروه بأنه كاتب عظيم، بل وعبقري (قال كلمة عبقري مرتين)، وبأنه سيصبح يوماً ما أكبر كاتب في الوطن العربي، وكلما اتصل بي ليعرف رأيي في مقاله أجده يسألني: (كيف تكتبين مقالاً كل يوم؟).
وفي كل مرة أجيبه نفس الإجابة، ولكن بأشكال مختلفة حتى لا يملّ، وحين أملّ أنا من سؤاله، أغيّر الموضوع وأتجاهل الإجابة، لإحساسي بأن وراء سؤاله هدفاً آخر لم أستطع أن أفهمه جيداً، ولم يقدر هو على التعبير عنه مباشرة!
كيف تكتبين كل يوم؟ قولي لي، أريد أن أعرف؟ يا إلهي من سألني هذا السؤال مؤخراً حتى كاد يغمى عليّ لشدة السعادة! إنها الكاتبة الصحفية والروائية العراقية إنعام كجه جي، الحائزة جائزة العويس الثقافية هذا العام عن مجمل منجزها في الإعلام والرواية والمسرح، والتي تكتب مقالاً أعتبره من أجمل المقالات وأعظمها في الصحافة العربية اليوم.