وعينا.. من أين نكتسبه؟

كنت أتحدث مع صديقة لي حول هوسي بإعادة استخدام الأوراق التي تستخدم لتغليف الأزهار، بأنني أستخدمها لتغليف العديد من الكتب والروايات، وهو سلوك تعلمته من صديقة تونسية في الحقيقة، فإذا بها تجيبني بأن الناس في قريتها لا يرمون زجاجات الأطعمة الجاهزة مثلاً أو العلب المعدنية بعد فراغ محتوياتها، بل يعيدون استعمالها كنوع من إعادة التدوير بمفهوم بسيط.

وقد أرجعت صديقتي هذا السلوك للحاجة، فحاجة الناس المادية أحياناً تدفعهم لعدم التضحية بالكثير من الأشياء التي يمكن الاستفادة منها مرة أخرى، وبذلك يتحولون إلى أصدقاء للبيئة دون قصد.

لفتني الربط واستوقفتني النتيجة، وتذكرت خلاصة آمنت بها منذ زمن طويل حول تشكل الوعي عند الأفراد والمجتمعات، حيث يتكون وعينا في الحقيقة نتيجة أمرين: الحاجة، أو المعرفة، والمعرفة بدورها تنتج من أمرين:

العلم والتجربة، أو التربية، هذه هي الأسس والمنابع التي تربي وتؤسس فينا الوعي، ولا أظن أن هناك أموراً أخرى، فنحن نعي ونفهم ونعرف قيمة كل شيء في الحياة، إما بسبب حاجتنا إليه، أو معرفتنا به، أو ما تربينا عليه، ولذلك فإن الحاجة التي تحدثت عنها صديقتي ليست خطأ ولا عيباً، الحاجة مرجعية ومعلم جوهري وأساسي لحدوث الوعي لدينا.

وما تحدثت عنه صديقتي حدث ويحدث في كل مكان، فأمهاتنا كنَّ يُعدن استخدام أكواب الجبنة السائلة، وعلب البسكويت، وزجاجات المياه، وعلب المربى والصلصة وغيرها، هذا لم يكن عيباً، الآن أصبح أمراً مثيراً للسخرية، ولا أدري لماذا في الحقيقة؟! فنحن نرمي علبة زجاجية في سلة المهملات بعد أن يفرغ محتواها من المربى مثلاً، لنعاود شراء علبة مثلها من السوق لنضع فيها مسحوق القهوة أو البهارات أو... لماذا؟

لأننا مستلبون إزاء ثقافة الاستهلاك، ولأن استخدام الزجاجات المجانية يمنح انطباعاً بالحاجة والفقر، ونحن لسنا كذلك، هذا ما نحاول أن ننفيه دائماً ونتبرأ منه، بينما للسلوك وجهة نظر أخرى شديدة الإنسانية، وهي أن من يفعل ذلك إنسان على درجة من الوعي.