اخترت لمجموعتي القصصية الأولى التي أطلقتها منذ قرابة الشهرين، عنواناً بدا لبعض القراء والنقاد كذلك عميقاً أو غريباً أو لافتاً، وبدا للبعض أنه بحاجة لمناقشة نفسية! فلماذا الخوف البارد؟
بالرغم من أن الخوف كأي مشاعر تعتمل في داخلنا تكون عادة حارة ومتوترة ومتدفقة، لأنها وليدة لحظة توتر قصوى، فنحن لا نخاف إلا حين نتعرض للتهديد أو الخطر أو المباغتة غير المتوقعة.
يقول علماء النفس والسلوك إن الإنسان عندما يشعر بالخوف، تحدث في جسمه مجموعة من التغيرات البيولوجية التي يكون الهدف منها تجهيزه، أو جعله مستعداً للتعامل مع وضعية التهديد. هذه التغيرات تشمل إفراز هرمونات معينة، مثل الأدرينالين والكورتيزول.
وهذا يقود بدوره إلى زيادة معدل ضربات القلب واضطراب التنفس، وفي لمح البصر يتدفق الدم إلى العضلات، ويصبح الجسد كله في وضع جاهز للهروب أو الدفاع.
هكذا تكون ردة فعل أجسادنا تجاه المهددات والأخطار الخارجية، لذلك لا بد للخوف أن يكون حاراً ومتدفقاً، أما أن يكون بارداً فهذا هو الأمر الذي يدعو للتساؤل.
وهو تساؤل في محله! لكن المخاوف ليست فقط مرتبطة بالأخطار الخارجية، فهناك مخاوف لا مرئية كامنة في دواخلنا بلا صوت وبلا حرارة، كالخوف من المستقبل، من الفشل، من الغرباء، ومن الوحدة والشيخوخة، وهذه تعد مخاوف باردة، أما ما يتعلق بمشاعرنا فإنها تتفاوت بين الدفء والحرارة والتصاعد، لكنها مع مرور الوقت وبعد أن تزول المثيرات أو المحفزات أو الأفعال الدافعة للتوتر أو الإثارة أو الخوف، تهدأ أجسادنا وقلوبنا ودفق دمائنا تماماً، وتدريجياً يبرد كل شيء وينتهي.
ينتهي الحدث المباشر، الطارئ، المتوتر، يزول الخطر الذي هددنا، لكن مع مضي السنوات يظل أثر الخطر الذي هددنا رابضاً وواضحاً كوشم في أعماقنا، يبقى حتى وإن كان باهتاً أو بارداً، لكنه واضح كأثر جرح ، يذكرنا بما تعرضنا له، خاصة تلك الجروح التي صحبتنا منذ أيام الطفولة التي نحتفظ منها بالكثير من تجارب الخوف، تلك التجارب القاسية التي لم نستطع كأطفال دفعها عنا، فعانيناها بصمت وخوف ظل يتراكم فينا طويلاً، ويهزّنا ويمنعنا من أشياء مختلفة.