أمثال إيزابيل الليندي، من الكُتاب المسكونين بكتاباتهم ولغتهم وأفكارهم، الذين يكتبون لأنهم لا يجدون عملاً أعظم من الكتابة، هؤلاء يكتبون بطريقة النهر المتدفق، فيتركون النص يتدفق من داخلهم كما يتدفق نهر هادر حتى مصبه الأخير، دون توقف أو رقابة، هؤلاء الكُتّاب موجودون في الشرق كما هم في الغرب، يحضرني منهم الآن الغائب الحاضر بعنفوانه وتفرده، الكاتب المصري، الذي غادرنا منذ فترة، صنع الله إبراهيم رحمة الله عليه.
هذه واحدة من العلامات الفارقة للكتاب الكبار، إنهم أصحاب مواقف فارقة دائماً، كما أنهم لا يركضون خلف الصورة غالباً ليحتلوا وسط اللقطة، ولا يزاحمون لأجل الجوائز والأعطيات.
فهذا غالباً لا يمثل لهم فارقاً يذكر، إن تحققهم وثقتهم نابعة من داخلهم، من إبداعهم، وليس من الخارج أو من الآخرين، هم ليسوا كلمة زائدة في العبارة ولا شبه جملة ولا مضافاً إليه، هم مبتدأ الجملة عندما يتعلق الأمر بالكتابة الحقيقية المؤثرة والأفكار والمواقف!والحق فإنه بدون مواقف وفكر واضح ليس هناك كتابة واضحة ومتفردة، وهذا ليس بالأمر السهل.
لكن نتائجه إذا ما تحققت، وعلى المدى البعيد، عظيمة جداً، فإيزابيل الليندي تركت وطنها تشيلي واستقرت في الولايات المتحدة حين رفضت أن تكون جزءاً من تشيلي الديكتاتورية زمن بينوشيه بعد انقلابه على الرئيس المنتخب.
وفي أمريكا تحققت إيزابيل بكامل إبداعها وحريتها، أما المصري صنع الله إبراهيم فعومل بالنبذ حين رفض جائزة الدولة في عهد الرئيس مبارك، مسجلاً موقفاً مدوياً لكنه كان فارقاً في مسيرته ومسيرة الأدب العربي في الوقت نفسه.
أما في البرتغال، وتحديداً في عام 1991 وحين غضبت الكنيسة الكاثوليكية من الروائي المعروف خوسيه ساراماجو إثر روايته (الإنجيل برواية المسيح) التي هزت الكنيسة؛ عوقب (ساراماجو) بسحب روايته من ترشيح الدولة إرضاء للكنيسة، وبسبب ذلك وما تبعه من تضييق، ترك الكاتب البرتغال باختياره، وذهب ليعيش مع زوجته في إحدى جزر الكناري التابعة للبرتغال، ليكتب بحريته كما قال.