الهوية في زمن التحولات

في أحيان كثيرة يبدو الجمع بين المتناقضات الثقافية من أكثر الأمور صعوبة في التحقق على أرض الواقع، كأن تتعايش مع موجات الحداثة في المعيشة والأفكار، وتحافظ في الوقت نفسه على تراثك وأصالتك، ودون أن تتخلى عن قيمك ولغتك العربية، فكيف يمكن أن نكرس ونحافظ على الهوية الإماراتية في زمن تحولات الحداثة؟

ففي زمن متسارع لا يعرف التوقف اقتنع أغلب الناس بأن التأقلم مع متطلبات الحداثة هو الحل الوحيد والمقبول، بدءاً باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي إلى الاستغناء عن القيم، ما يجعل للمثقف دوراً مركزياً لا غنى عنه، لا لكي يتحول إلى صوت للماضي والذكريات فقط، ولكن ليصبح منارة تشير إلى الطريق الصحيح والمنقذ وسط الضباب واختلاط الخيارات.

يؤمن الكتّاب والمثقفون الإماراتيون بأن الهوية ليست شأناً توارثوه عن أسلافهم وآبائهم فقط، بل هي تاريخ ومكون وجودي وقيمة تروى وتكتب، وتعاد صياغتها لتبقى حية في وجدان وعقول الأجيال، ليس ذلك من باب الوصاية عليهم، فالمثقف معني بالحرية وحق الاختيار، لا بالوصاية، لكنه، وهذا دوره، يجب أن يكون حافظاً للذاكرة، ومنبهاً للوجدان الجمعي، وبذلك يصلح أن يكون المتحدث الرسمي عبر القصيدة والقصة والرواية والأسطورة بلسان الحاضر والمستقبل.

إن اللغة العربية، وحتى لهجتنا المحلية، التي نسمعها ونراها تئن وتعاني تحت وطأة إهمال أبنائنا وشبابنا، هي قلب هذه الهوية، وهي ما يتوجب على المثقف قبل غيره أن يعليها ويتحدث ويكتب بها، لا لأنه ملزم بها فقط، بل لأن ارتباطه بها ارتباط وعي وانتماء ومحبة، لذلك يراها جديرة بأن تكون لغة الحاضر والمستقبل كما كانت لغة التاريخ.

إننا أبناء أرضٍ عرفت معاني وتجليات الصحراء كما عرفت قيمة البحر، فهما رمزان لا تعارض بينهما، لأنهما متكاملان: الصبر والبناء، لذلك نحن لا نختبئ في التراث، ولا نخاف من الحداثة، بل نقارب بينهما بذكاء وتوازن، ونحولهما من متناقضات إلى ملامح هوية مرنة تنمو وتستمر دون أن تتجمد أو تنكسر!

نحن هنا في الإمارات التي لا تنسى جذورها، ولا تخشى من الغد، والمثقف عنصر أساسي في قلب ذلك كله.