يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتابه «علمتني الحياة» متحدثاً في فصل «التكبر والاستكبار»: «علمتني الحياة أن أخاطب الناس بقولي «أخي» و«أختي» لأذكر نفسي وأذكرهم بأن أبانا واحد، فكلنا لآدم، وآدم من تراب. ولا يتكبر إلا الجاهل، ولا يتواضع إلا صاحب العقل».
هل الإنسان الفرد هو الذي يتكبر فقط؟ الواقع والتاريخ يقولان إن الشعوب أيضاً قد تتكبر على غيرها، يقول سموه في الصفحة 66: «يظنون أنهم الأنقى والأصفى والمختارون!».
وكم من حروب أبادت الملايين بسبب تكبر شعوب على غيرها، فإذا تساءلنا عن مخاطر ذلك وانعكاساته على المجتمعات والعلاقات ومستقبل وحياة الناس فسنجد سموه يفصل في ذلك بخبرة السياسي والمطلع على تاريخ الدول وتقلبات الشعوب، فيقول: «نسمع أحياناً عبارات مثل «حرب التطهير العرقي» وسببها التكبر، تكبر الشعوب والقوميات، وإحساسهم بالفوقية وأنهم أفضل من غيرهم».
إن الذي يتأمل في عمق المغزى من حديث سموه في موضوع «التكبر والاستكبار» يعي أن المسألة تتجاوز الحديث الظاهر، لتصل إلى عمق التجربة الإماراتية باعتبارها نموذجاً للتواضع واحترام ثقافات الشعوب واختلافاتهم، ففي دولة الإمارات التي يعيش على أرضها عشرات الجنسيات والثقافات والديانات لا يسمح بأي إشارة تدل على التقليل من شأن الناس أو احتقارهم أو التمييز بينهم، وهذا هو السبب في هذا التعايش الاجتماعي الآمن والمستقر والقائم على التعاون والاحترام.
أما مشاعر الكراهية وحروب الإبادة والتطهير العرقي التي تمتلئ بها صفحات التاريخ الإنساني القديم والحديث في كل مكان فقد قامت جميعها على فكرة التفوق العرقي، والكراهية والتكبر والشوفينية. فماذا كانت نتيجتها؟ حروب وتخلف وإشعال نيران الكراهية بين الناس وتقطيع أواصر العلاقات والتواصل والتجارة.. وفي المحصلة النهائية فإنه لا خير ينتظر، ولا فائدة ترتجى من التعصب والتكبر. وحده التواضع من يبني الأرض ويضمن الحياة الآمنة.
يلخص سموه درس الحياة كما تعلمه في هذا الشأن قائلاً: «علمتني الحياة أن الأيام دول بين الناس، وأن الأمم العظيمة هي التي تتواضع، وأن التكبر عدو الحضارة، لأن الحضارة لا تصنعها دولة واحدة، بل يصنعها التعاون والتكاتف بين الدول والأمم والشعوب».