ما العمل الذي يشبهنا؟

تقول الممثلة المعروفة (جين فوندا): «لم أكن أريد أن أكون ممثلة، والدي كان ممثلاً، ولم يجلب لنا متعة إلى البيت، فلم أرَ التمثيل عملاً أرغب فيه». لكن باكراً جداً قادتها الظروف إلى تلك المهنة، وعاشت خلالها صراع الهوية والتعبير، الذي انعكس في أفلامها ومواقفها السياسية والاجتماعية.

لم تكن جين فوندا ممثلة عادية أو طارئة في عالم هوليوود، كانت موهبة حقيقية وامرأة صاحبة موقف، كما عملت في مجالات التدريبات الرياضية، وباعت من أشرطة التدريبات التي أصدرتها أكثر من 15 مليون نسخة، أكثر الأشرطة مبيعاً في التاريخ. في هوليوود وقبل أن توضع على قائمة «البلاك ليست» بسبب معارضتها لحرب فيتنام، حازت فوندا جائزتي أوسكار، وجائزتي بافتا، وسبع جوائز غولدن غلوب، وجائزة إيمي برايم تايم، وجائزة معهد الفيلم الأمريكي لإنجاز الحياة، وجائزة الأسد الذهبي الفخرية.

بقيت فوندا تؤمن دائماً بأن التمثيل ليس مجرد محاكاة، بل تمرين على العيش في عوالم الآخرين: «ما أحببته هو أن أروي قصة، فتكتشف أنك عبر هذا التمثيل تدخل إلى واقع شخص آخر وتجبر على رؤية العالم من منظوره». هي تؤمن بأن الممثل يجب أن يكون متصلاً بما يصوره، أن يختار أدواراً تهمه، وألا يقبل كل ما يُعرض عليه تحت حجج ودوافع غير مقنعة.

اللافت في تجربة هذه الشخصية الملهمة، ليس مسألة الثبات، ولكن الشغف والتفوق في عمل لم ترغب فيه يوماً ولم تجده جديراً بالاهتمام، فحين تتأمل التمثيل من خلال والدها الممثل والمخرج المعروف هنري فوندا، تقر بأنه لم يحضر يوماً إلى البيت جالباً معه المتعة والبهجة والمسرات التي كان يقدمها على الشاشة كونه ممثلاً، إذن فالحقيقة خلاف ذلك التمثيل الكاذب، لذلك حسمت أمرها: التمثيل عمل لا يستحق جهد السعي له ولا الرغبة فيه! لكن جرت رياح هوليوود بخلاف ما فكرت فيه فوندا ودار في خلدها.

ومثل فوندا آلاف، وربما ملايين النسخ من البشر، الذين تخرجوا من تخصصات وامتهنوا أعمالاً، لم يشعروا يوماً أنها تشبههم أو تمتعهم، كانوا أشخاصاً ضائعين حتى قادتهم خطاهم بالصدفة أو القدر المقدور إلى هويتهم ومهنهم الحقيقية التي تشبههم، لذلك فربما لم يكن الخطأ في التمثيل، ولكن في والد فوندا، لذلك نجحت الابنة وأخفق الأب.