العلاقات التي ترممنا

في رواية سويدية بعنوان «رجل اسمه أوفه» نقرأ تفاصيل حياة رجل في الستين، يظهر وحيداً منذ البداية، وأقرب للمثالية في كل شيء، في الالتزام بالنظام والقوانين والعلاقات مع المحيط ولدرجة مبالغ فيها، عطوف، لكنه يغلف حياته بالكثير من القسوة حتى لا يظهر هشاشته وحزنه أمام الآخرين.

رواية الكاتب السويدي فريدريك باكمان نشرت عام 2012، وكانت الأصل الذي استند إليه الفيلم الأمريكي «رجل اسمه أوتو» الذي لعب دور البطولة فيه توم هانكس في دور أوتو أو أوفه كما في الرواية، وقد قدمه بشكل فائق الجمال، حيث ستحتاج إلى زمن لتنسى أوتو وتطور شخصيته التي مرت أمامنا بمراحل مختلفة، تغوص بنا في عمق تجربة الوحدة والفقد وما يقودان إليه من حزن واكتئاب، سيفضيان حتماً إلى تلك اللحظة المتوترة جداً: محاولة الانتحار التي ستفشل في كل مرة يقدم عليها أوتو!

كان أوتو شاباً ملتزماً، ورجلاً منظماً، ومحباً، تزوج امرأة محبة للحياة ومبتهجة دائماً، لكنها في لحظة غير متوقعة تفارق الحياة، ومعها تنطفئ حياة وشغف أوتو، ويزيد الأمر سوءاً حين يفقد وظيفته، فيقرر بما أنه أصبح بلا جدوى أن يغادر هذه الحياة! لكن الحياة تأبى إلا أن تمنحه الفرصة تلو الأخرى ليستمر، فتمنعه من ارتكاب فعل الانتحار عبر أشخاص يتدخلون في حياته تباعاً، هؤلاء الأشخاص هم جيرانه المهاجرون، وسيدة تسكن بجواره منذ زمن، وتلميذ زوجته المتوفاة، ومذيعة على السوشال ميديا، و.. قط!

ما جعل الرواية هي الأكثر مبيعاً والفيلم متألقاً جماهيرياً هي البساطة، فهو، أي الفيلم، يعتمد أسلوب الواقعية الحياتية، حيث نعيش في عمق تفاصيل يومية صغيرة لحياة أوتو وجيرانه، وكأننا نعيش حياتنا، نستجيب لطلب الجارة في المساعدة، نتقبل طبق طعام لذيذ أعدته لنا، نصلح الباب، نطلي السقف المتشقق، نختلف مع الجيران الذين لا يعيدون الأشياء التي استعاروها منذ زمن، وندافع عن قط يعتدي عليه جار شرس، وبرغم بساطة هذه المواقف إلا أنها تكشف أسئلة كبرى عن الحب، الموت، والوحدة والعلاقات الإنسانية، التي تعيد ترميم علاقتنا بالحياة ومعنى الوجود وفكرة الجدوى!