مدارس ومعلمون!

هناك مواقف قد تبدو صغيرة، وأشبه بلمحات خاطفة تمر بذاكرتي في أحيان كثيرة كلما دار حديث حول المدرسين والمدرسة: الموقف الأول عندما بدأنا نأخذ دروس الرسم، كانت معلمة الرسم في المدرسة الابتدائية في غاية الرقة، لكننا عندما انتقلنا للمدرسة الإعدادية تغيرت المعلمة وجاءتنا أخرى شديدة التجهم، قاسية ودائمة الصراخ، حتى إن عدداً من زميلاتنا صرن يتغيبن عن حصة الرسم بسبب تعاملها القاسي والبغيض أحياناً!

حدث أن كنت أرسم في المنزل، فإذا بجدتي تنهرني وتمنعني من إكمال الرسم، ولما سألتها قالت: (الرسم حرام، في يوم القيامة سيطلب منك الله أن تنفخي روحاً في كل رسمة رسمتها). كنت طفلة فخفت ورسخت الصورة في ذهني طويلاً، لكنني لم أكره الرسم، أما في المدرسة الابتدائية فقد رسخ سلوك المعلمة، التي رمت عملاً فنياً لإحدى زميلاتنا من الطابق الثاني، في ذاكرتي حتى اليوم، وكرهتها وكرهت الرسم!

إن كل حمولة الخوف والمواقف الإيجابية والسلبية التي استقرت في داخلنا في تلك المرحلة، كان للمدرسة نصيب وافر منها، كما كان البيت كذلك، مشاكلنا وعقدنا وصحتنا النفسية كلها بدأت في تلك الطفولة البعيدة.

أتذكر هذا الموقف الذي كان في المدرسة الابتدائية، فقد كان من عادة المعلمات في تلك الأيام، (وربما في هذه الأيام كذلك)، أن يتم انتقاء الطلاب للأنشطة المدرسية من ضمن فئة المتفوقين علمياً، كنوع من المكافأة ربما، ولاعتقاد المعلمات أن المتفوق سيكون متفوقاً في كل شيء، وسيكون سهل التعلم والانضباط... إلخ.

ولأنني كنت متفوقة اختارتني معلمة الموسيقى لأنضم لفريق المدرسة للعزف في طابور الصباح، وفي أول حصة تدريب سألتني: (على أية آلة تفضلين العزف؟) فتلعثمت لأنني لم أعزف على أية آلة في حياتي، أعطتني آلة بسيطة جداً، وجدتها أشبه بلعبة، لكن الأمر لم يستهوني أبداً، وكلما وجّهتني لأمر لم تجد ذلك التجاوب الذي توقعته، وفشلت من وجهة نظرها، فطردتني من الفريق، عن نفسي فرحت، أما هي فذهبت تشكوني مولولة!

هذان الموقفان مرا على عدد لا يحصى من الطلاب، لنعرف كيف يصوغ بعض المعلمين وبعض الأسر توجهات ومستقبل وخيارات أبنائهم، كيف يرسمون نجاحاتهم، وكيف يصنعون فشلهم بجدارة وسهولة!