هكذا تبدأ الكتابة..

سُئلتُ مراراً عن أول مرة فكرت فيها في الكتابة، ومتى كان أول مقال ظهر لي في الصحيفة؟ وما هي تلك المناسبة التي دفعتني للكتابة؟ وهل يمكن أن يظهر كاتب بطريق الصدفة وبلا تجارب سابقة؟ وكيف يكتشف الكاتب نفسه للمرة الأولى؟

لماذا ومتى وكيف كتب؟ والأهم كيف استمرت هذه الكتابة اليومية طوال العمر؟ إن هذه الأسئلة حول الكتابة تشكل المحور الرئيس للدخول إلى تفاصيل حياة ونفسية وفكر وقناعات أي كاتب حقيقي ومتحقق، فهذا النبش العميق في جذور البدايات وما تحت الأيام، يعني محاولة اكتشاف الظروف والإمكانيات التي شكلت مخزون الكتابة.

هكذا إذن تبدأ الكتابة في لحظة عاطفية متوترة ومرتبكة، كردة فعل انفعالية نتيجة موقف حياتي معين، يمكن أن يحدث لأي شخص، دون أن يكون ببال الكاتب أن تكون هذه الكتابة مقالاً أو موقفاً بحد ذاته!

فإذا سألنا: لماذا كتب إذن؟ لأن طريقة تعبير البشر عن انفعالاتهم ومشاعرهم تجاه ما يمرون به تختلف بمقدار 180 درجة عن بعضهم البعض، ثم إن ما يمكن أن يستفز شخصاً قد لا يؤثر في شخص آخر تماماً، وهذا هو أول الخيط ومفتتح الحكاية، يبقى أن نقول إن هناك مخزوناً ضخماً في الداخل فجره ذلك الموقف.. هذا المخزون قد لا يوجد لدى الجميع!

السؤال الأهم ما الذي يحوّل هذه الكتابة من رد فعل عابر إلى عادة ثابتة، ثم إلى مسار دائم ومشروع حياة؟

لأن الأمر ينتقل من فعل كتابة إلى حالة اكتشاف داخلي: لحظة يدرك فيها الكاتب أن الكتابة ليست وسيلة للتنفيس فقط، بل طريقة لتحديد هويته وفهم نفسه، وما يحدث حوله أولاً، ثم لفهم العالم الشاسع المحيط به. لا تعود الكتابة مجرد جملة تُكتب، بل مرآة يرى الحياة من خلالها.

ومع مرور الوقت لا تعود الكتابة خياراً، بل تصير ضرورة، لا يستطيع الكاتب أن يحيا بدونها، أي دون أن يترك أثراً مكتوباً. قد يكون مقالاً، سطراً في دفتر، أو حتى فكرة عابرة تُدوّن على عجل، لكن هذا الفعل صار هو الإيقاع الذي تنتظم به وحوله حياة هذا الكاتب.