الضباب الأعمى

في مرات كثيرة، وجدتني أقود سيارتي في جو مقلق من الضباب الكثيف، وسواء كنت أقود وحيدة على طرقات خارجية، أو كنت بصحبة أحد إخوتي أو صديقاتي، فإن شعوراً ضاغطاً من الخوف والقلق، يظل يتفاعل في داخل كل منا، حيث تعتبر القيادة، أو حتى السير في مثل هذه الظروف، خطرة ومنذرة بوقوع حوادث مميتة. بالنسبة لي، ما زالت تلك الليلة التي عدت فيها من العاصمة أبوظبي بصحبة إحدى الصديقات، عالقة في ذاكرتي، بعد حادث السيارة الذي سلمنا الله من عواقبه، بسبب الضباب.

وأن تكون عالقاً في الضباب، يعني أنك في أحد أكثر المواقف رعباً، بالمعنى الحرفي للكلمة، فأنت تسير على طريق لا ترى فيه أبعد من متر، وفي أي لحظة قد ترتطم بما أمامك، وقد تأتيك الضربة من أية جهة، فالكل يقود في ظرف أعمى.. لذلك، فمن الحكمة أن تتوقف على جانب الطريق، حتى ينقشع الضباب! لذلك، فقد بدا لي دقيقاً ذلك الوصف (علاقات الضباب الأعمى)، الذي يستخدمه علماء النفس والسلوك، عندما يصفون الأشخاص العالقين في خضم علاقات سامة، يتم فيها تلاعب أحد الأطراف بعواطف الطرف الآخر!

يستعمل علم النفس كلمة (ضباب)، كمصطلح يعبّر أو يضم ثلاثة مشاعر قاتلة (الخوف والالتزام، أو الإلزام، وتكريس الشعور الدائم بالذنب)، يعمل صاحب الشخصية السامة في بثها وتصديرها وتضخيمها في ذهن الآخر، كنوع من التلاعب العاطفي به، كي يظل أسيراً له ولمتطلباته.

تسمى هذه الحالة بوقوع الإنسان في حالة «ضباب أعمى»، بمعنى أن الإنسان يصبح عالقاً في «ضباب» نفسي، تسببه هذه المشاعر الثلاثة، الخوف من فقدان العلاقة، الالتزام المفروض عليه تجاهها، لذلك يعمل على إرضاء الآخر، والقيام بكل ما يطلبه أو يفرضه عليه، ثم الشعور بالذنب، إذا لم يستجب لمطالبه، وبهذا الشكل، فإن الإنسان لا يرى الأمور بوضوح، تحت وطأة هذا التلاعب، وهذا الضغط الكبير، فيكون في حالة أشبه بوجوده في أجواء من الضباب، الذي يفقده الرؤية، ويشل وعيه وحريته وعقله عن اتخاذ أي قرار.

إن هذا المصطلح (الضباب الأعمى)، يصنّف كتعبير يُستخدم لفهم آليات السيطرة النفسية في العلاقات السامّة، سواء كانت أسرية، عاطفية، أو حتى في بيئة العمل.