الناس لا يتغيّرون بدون سبب، كما أنهم لا يتغيرون فجأة، الناس يتبدلون عبر الزمن، وعبر القسوة والصد وتراكم الكثير من المواقف، والأفعال وردات الأفعال أيضاً.
ففي لحظة ما، عندما تصل درجة الاحتمال إلى نهايتها، ويستنفد الشخص قدرته على الصفح والتسامح، يقرر أن عليه أن يذهب للمنطقة الأخرى، للضفة الأخرى تماماً، أي أنه ودون أن يعبر بالكلمات، يجد نفسه وقد أضمر أن يتغير، فيغلق الأبواب التي كانت مفتوحة على مصراعيها، ليسد رياح القلب، ويفتح نوافذ العقل ليرى بطريقة مغايرة تماماً، لقد قرر أن يريح ويستريح! عندها يرى ما لم يكن يراه سابقاً.
إن هذا التغيير الذي يصفه البعض بالدراماتيكي والمفاجئ هو في الحقيقة ليس كذلك، إنه التغيير الحقيقي الذي لم يأتِ فجأة، بل حدث نتيجة تراكم طويل من خيبات الأمل، والمواقف التي تنحت الروح ببطء، ثم تأتي «اللحظة الفاصلة» حيث ينقلب الميزان، ويقرر الإنسان أن يغلق أبواب العواصف، ويفتح نوافذ العقل الهادئ لا أكثر.
إن هذا التغيير الذي طرأ ليس ردة فعل إنما هو فعل وعي، وليس استسلاماً بل هو قرار شجاع جداً لإنقاذ الروح والقلب وحتى العلاقة بالآخر أياً كان هذا الآخر، وكأن هذا الشخص قد تعب من كل تاريخ العطاء والجفاء واللاجدوى، فقرر أن يستريح بعد طول إنهاك. وهنا فإنه ما لم يقرر الإنسان نفسه أن ينقذ نفسه من هذا التشظي وإضاعة الجهد والعاطفة بشكل مجاني فأن أحداً آخر لن ينقذه من هذا الحال!
الإنسان أناني بطبعه «أياً كان» حتى أقرب الناس لك، يحب أن يأخذ أكثر مما يعطي، يحب أن يخدم أكثر مما يقدم خدمات، يحب أن يكون مركز الاهتمام أكثر مما يتعب نفسه ويهتم بغيره، الذين يعطون دون مقابل نادرون، وهؤلاء هم الذين يصابون في عمق قلوبهم وعطائهم، يقابلون بالنكران غالباً، وكما الليالي فإن الإنسان كذلك ليس في طبعه الأمان!