الاستهلاك والتفاخر!

هل الميل للتباهي وحب المظاهر، وهي الظاهرة التي نظنها أو نصفها بأنها سلوك فارغ، وتعبر عن أناس تافهين أو سطحيين من وجهة نظرنا، هي ظاهرة جديدة أو حديثة، أوجدتها طفرات المال والثراء السريع وتنحصر في مجتمعات محددة؟ أم أنها ظاهرة إنسانية وجدت مع وجود التجمعات والمجتمعات الإنسانية منذ نشوئها وبحسب مستوياتها الحضارية؟

علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والسلوك يؤكدون أنها ليست جديدة، وليست إفرازاً من إفرازات السوشال ميديا، وإن كانت وسائل وتطبيقات التواصل الاجتماعي قد غذتها ورفعت من وتيرتها ومنحتها انتشاراً واتساعاً، إلا أنها موجودة منذ وجدت المجتمعات القديمة (القبيلة ومجتمعات الرعي، وبدايات الاستقرار الحضري عند مصبات الأنهار العظمى، وبداية تكوين المدن).

ففي الحضارات القديمة (المصرية، البابلية، الإغريقية)، وفي حضارات الهند وشرق آسيا، كان الملوك والطبقة الثرية (النبلاء وحاشية الملك) يشيّدون القصور والمعابد الضخمة، ويصنعون التماثيل ويبنون الأسوار، ويقتنون الحُلي والثياب الفاخرة، حتى إن الأهرامات نفسها، التي هي إحدى عجائب الدنيا، يقرأها الباحثون كأقصى أشكال «التباهي الرمزي» بالخلود، أما في المجتمعات القبلية والزراعية يقتني الأغنياء أكبر قدر من الأراضي وقطعان الماشية لإظهار وجاهتهم ومدى نفوذهم وتميزهم.

عالم الاقتصاد والاجتماع الأمريكي الشهير، ثورستين فيبلن، اشتهر بنقده للرأسمالية، وفي كتابه نظرية الطبقة المترفة (1899) قدم مفهوماً للاستهلاك التفاخري، وصف فيه شراء السلع الفاخرة بهدف إظهار الثروة والمكانة الاجتماعية، وليس لضرورتها الفعلية للفرد، وهذا يعني أن ظاهرة شراء هذه السلع نفسها اليوم (الحقائب، السيارات، المجوهرات...) ليست ظاهرة أفرزتها الحياة المعاصرة اليوم.

هذا الاستهلاك المتزايد للسلع الباهظة الثمن ليس احتياجاً في أغلبه بقدر ما هو إصرار حقيقي على إبراز المكانة والحصول على نظرة الإعجاب أو الغيرة أو الاحترام من الآخرين. إن هذا السباق المحموم نحو الأسماء التجارية الباهظة، التي يدهش البعض أمامها، ولا يجدون لها تفسيراً، يعكس في الحقيقة خوفاً ضمنياً من «اللاجدوى»، أو من «التلاشي في العادي»، فيلجأ الفرد لعلامات مرئية تثبت وجوده وقيمته.