هل غيرتنا السوشال ميديا؟

هل صحيح أن الجنون الذي يجتاح الكثيرين في أفعالهم وأقوالهم، وصولاً لأفكارهم، سببه ثورة وسائل التواصل؟ هل صحيح أن ميل معظمنا نحو التفاهة والتبسيط وثقافة الاستهلاك سببه مواقع التواصل التي من النادر أن تجد شخصاً تعرفه ليس له صفحة أو موقع؟

وبالتالي فإن رغبة الظهور العلني والإفصاح عن شخوصنا الكريمة بأية طريقة تدفعنا لابتكار أو اختراع أي تصرفات تستتبع صوراً ومقاطع فيديو نرفعها على صفحاتنا لنقدمها للناس الذين يتابعوننا؟

وكلما احتجنا ظهوراً أكثر ومتابعين أو جمهوراً متنوعاً وعريضاً، توجّب على أي شخص على مواقع التواصل أن يقدم ما هو مختلف، مثير، فضائحي، غير معتاد، صادم، خارج عن المألوف، بغض النظر عن كونه يتعارض أو يتفق مع العادات والأخلاق، أو يستدعي انتقاد الناس وسخريتهم، كل ذلك لا يهم، ما يهم هو أن تتواجد، وأن تحظى بالاهتمام وتكون مادة للأحاديث، هذا هو الشيء الوحيد الذي سيجعلك مشهوراً، ثم غنياً في مرحلة لاحقة!!

كل هذه السيطرة الذهنية التي تمارسها مواقع التواصل والإعلام الجديد على الناس، غيرت بالفعل من السلوك والذهن الجمعي لملايين البشر الذين يملكون هواتف نقالة وشبكة إنترنت فاعلة، لقد غيرتنا التكنولوجيا بالفعل وبشكل لا يقبل الجدل.

وذلك منذ اقتنع الناس بمقولة (العالم قرية صغيرة) و(كل مواطن من حقه أن يكون إعلامياً)، فأصبح كل صاحب هاتف بدل أن ينظر إلى هاتفه كوسيلة تواصل مع أهله وأصحابه، صار يستعمله باعتباره منصة لتقديم نفسه كإعلامي، صاحب صحيفة ومحطة وبرنامج جماهيري بودكاست!

وهنا توحشت أخلاق الناس، صار السباب والشتائم والتعدي اللفظي والكلام البذيء، والمجاهرة بالخلاف الحاد والجارح أمراً معتاداً نصطدم به طوال الوقت، ونسي الناس الأدب والتأدب والذوق والرقي في التعامل والردود والاختلاف، واشتغل الإعلام بالفضائح وأخبار الفنانين وتوظيف المشاهير بدل العمل على الارتقاء بالمعايير والقيم المهنية للإعلام..

وانسحب الأمر من خلف الشاشات إلى داخل المنازل ووسط العلاقات، فأصبحت المظاهر والتفاهات سيدة المشهد وباتفاق الجماهير. وسط كل هذا هناك استثناءات بالتأكيد تستخدم الميديا بعقلانية لكننا نتحدث عن جنون السائد!