علينا أن نقرأ الرواية بوصفها إبداعاً فنياً وخيالاً جامحاً، يحاول محاكاة الواقع أو معالجته، كما يحتفي به أو يفضحه ويكشف سوآته، إنها فن في نهاية الأمر، كالنحت والرسم والموسيقى، لا يمكن محاكمته ككتاب تاريخ أو دين، ووفق ثقافة العيب والخوف واعتبارات السلطة.
والذي يخاف من رواية لا يمكنه أن يكتب تاريخاً أو يراكم فعلاً ثقافياً أو سلوكاً اجتماعياً متقدماً كالحرية! أعترف أن رواية «امتداح الخالة» رواية غريبة، وتفاصيلها غير معتادة، لكنها ليست مخيفة، ولا تهدد الأخلاق أو الحياء، هي رواية عبقرية في مزجها بين الفن والتاريخ الإنساني عبر سبع لوحات شهيرة، وهي كذلك تحتفي بالتفاصيل الحياتية للإنسان العادي الذي يخجل من بعض أفعاله وسلوكياته، لكنه يفعلها ويتباهى بها، وهناك في حياتنا أفعال وتركة هائلة من المسكوت عنه في سلوكنا اليومي، وفي علاقاتنا بأنفسنا وبأهلنا وبمن نحب تفاصيل تحدد مسارات حياتنا أحياناً، وتصنع بهجتنا وخلاصنا ومتعنا الكبرى.
هذه التفاصيل هي ما يصنع أفراحنا وانكساراتنا وسقوطنا وأمراضنا الخفية؛ ومع ذلك فنحن نمعن في التباهي بأننا أصحاء جداً، ونزيهون وأنقياء، ذلك ليس صحيحاً دائماً، لكن هذا ما نقوله؛ لأن الآخرين يريدوننا أن نكون كذلك ليقبلونا بينهم، في الوقت الذي يكونون هم أيضاً ليسوا على تلك الصورة التي يحاولون ترويجها وإشاعتها بين المجموع!