يعتبر البحث عن السعادة من أكثر الموضوعات التي بحثتها الفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية، ما هي السعادة وكيف يمكن للإنسان أن يحصل عليها؟ ما حدودها ومتطلباتها؟ هل السعادة استعداد فطري، أم حظ يكتب للبعض ويحرم منه آخرون، أم أنها جهد يبذله الإنسان ليحصل عليها؟ أم أنها قرار وتخطيط وشروط يجب توافرها لتأتي الحياة مرفرفة فوق رؤوسنا وحياتنا؟
هل يجد الإنسان سعادته في الحب، أم في الزواج، أم في كثرة المال؟ أم أن السعيد هو الناجح في عمله وحياته العاطفية والعائلية؟ أم أنه القانع الراضي بما آتاه الله دون شكوى أو تذمر أو حسد لما بين أيدي الآخرين؟ هل السعادة وصفة ومعادلة معروفة المعايير بحيث لو خلطنا مقاديرها بدقة، كأي صيغة أو وصفة، انبثقت لنا السعادة من فم القدر، أو من باب النهار؟
هل أكون سعيداً حين أحظى بكل ما حلمت به في حياتي منذ عرفت كيف أحلم، وكيف أتخيل، وماذا أتمنى؟ هل تكتسيني السعادة عندما تتحقق تلك الأمنيات التي يجتمع الناس في كل مكان وزمان على أنها من بين أكثر ما يتمناه معظم الناس: المال والجمال والمنزل الأنيق والسيارة الفاخرة و... أم أن الإنسان لا بد له من أصدقاء مخلصين وأوفياء، وصحة جيدة، وعلاقات متوازنة، إلى جانب كل تلك الإبهارات المادية ليكون سعيداً؟
لكن، هل يمكن أن تجتمع وتتحقق كل تلك المقادير في وصفة أو معادلة السعادة؟ إن أكثر الناس غنى وشهرة ونفوذاً هم أكثرهم شعوراً بالوحدة والبؤس، وهم أكثر ميلاً للتشكك في الآخرين، وبالذات المحيطين بهم، والساعين للتقرب منهم؟ كما أن أكثر الناس تحققاً ونجومية ونجاحاً هم في الأغلب الأعم يهملون حياتهم العاطفية والإنسانية، ويميلون أكثر لمواصلة الجري وراء المكاسب والأضواء، مضيعين عليهم فرصة أن يحظوا بالسعادة الحقيقية التي ربما لا تحتاج لكل هذه التعقيدات والأسئلة، التي قد يجدها مزارع بسيط، أو امرأة فقيرة، أو طبيب متواضع، أو أي إنسان بكل بساطة.
إن السعادة الحقيقية لا تكمن في الشهرة أو النجاح المادي، بل تكون أحياناً في العلاقات التي نبنيها، والروابط الحقيقية التي نشكلها مع الآخرين، ونحافظ عليها.